نماذج بين الصورة والصوت

نماذج بين الصورة والصوت

الأزمنة

السبت، ١٠ أكتوبر ٢٠١٥

زهير جبور
بدأ قطاف ثمرة التفاح ليصار إلى تسويقها، وهي فاكهة تاريخية رويت حولها الحكايات من قبل البشرية حيث سيدنا آدم وستنا حواء، وشجرة التفاح مدللة. حساسة. تتأثر بمناخها حالاً، وتحتاج لعناية على مدار العام دون توقف وفي كل الفصول، ترفض من يتطفل على جذعها ويشاركها النمو، ولا تتطفل هي على نباتات أخرى، مكتفية بقناعة في دائرة مساحتها التي تفضلها خالية، تؤذيها الحرارة المرتفعة أو المنخفضة، تفضل الاعتدال لتعطي ثمرة مذاقها طيب، يتناولها الإنسان السليم والمريض، وفي عصيرها ما يبعث النشاط.
انتشرت بساتين التفاح في اللاذقية بين كسب. سلمى. عرامو. دورين. كنسبا. وبعض المناطق الأخرى التي يتراوح ارتفاعها عن سطح البحر 700م إلى 1000م وتصنف اللاذقية على أنها المحافظة الثالثة في الإنتاج وفيها عدة أنواع، وشكلت عبر السنين دخلاً معقولاً للمنتج، الذي واجه كغيره في سنوات الأزمة ارتفاع أسعار المواد الأولية والمكافحة ومستلزمات العناية التي تتطلب متابعة دقيقة وأي إهمال يعرض المحصول لخطر التلف، ونشير هنا إلى أن اللاذقية عرفت في إنتاجها للحمضيات، يليه الزيتون، أما الفواكه المختلفة فهي قليلة جداً، ويأتي التفاح كصنف فاكهاني يضاف إليهما، وعلى ذكر الزيتون تشير المصادر الزراعية إلى أن موسمه هذا العام جيد، وتلك البشارة تبعث بعض البهجة في قلوب الفقراء وقد ضربها هم تأمينه في الموسم الماضي بسبب قلة الإنتاج، ليرتفع سعر الزيت ويحتكر من قبل التجار، وتراوحت أسعار الصفيحة الواحدة بين 16000 إلى 20000 ليرة سورية وهذا السعر يبتعد كثيراً عن المنطق والعدالة وكلنا نعرف أن حاجة الأسرة السورية لهذه المادة تعتبر الرئيس فيما يخص الغذاء، ويعتمد عليه كعنصر وحيد، وهم يمونونه ولا يستطيعون الاستغناء عنه، نأمل أن يكون الموسم جيداً ويعطي الكميات المناسبة التي تؤدي إلى انخفاض سعره ويعود إلى حالته الطبيعية إذا ما تحرر من كماشة التجار وضبطت أسعاره بما يتناسب ودخل المواطن وجهد المنتج وعدالة التوزيع، وقبل الأزمة كان الزيت متوافراً وبأسعار لا تتجاوز حدود الخطر الاقتصادي، وكل شيء في وقتنا الحالي قد دخل عميقاً في دائرته ولم يخرج منها. نعمة كنا ننعم بها ولم نقدرها، وها نحن نحرم من أبسط مقومات العيش ومن ميزات الزيت أن حفظه لا يحتاج لثلاجات وإلا لكان فسد وأتلف ورمي في القمامة كغيره وقد حول التيار الكهربائي المتجمد الثلاجات إلى نمليات.
•    ومع التفاح
إذاً اللاذقية تفتقر لأنواع الفواكه باستثناء الحمضيات، والمساحات المزروعة من التفاح 4679 هكتاراً، عدد أشجارها المنتجة 1441782، أي أن مساحته صغيرة إذا ما قورنت بالحمضيات والزيتون، أما اللوزيات وباقي الفواكه فهي قليلة وتزرع للاستهلاك المنزلي، أو للسوق في حال وفرة الثمر، وعلى سبيل المثال فإن أعداد أشجار الأجاص 109636، ويمكن أن نعتبر أن سكان اللاذقية يفتقرون إلى سوق فاكهة مثل المشمش. الخوخ. الدراق. الجوز. وتصلهم بأسعار مرتفعة جداً، كيلو الجوز وصل إلى 3500 ل.س فابتعدوا عن تموين المكدوس، كيلو العنب بين 250 إلى 300 ل.س فتجنبوا تقطيره وتخزينه سنوياً، وظهر المشمش عدة أيام بسعر يخرج عن طبيعة المشتري ويصعقه ثم اختفى...... ملخص القول: إن اللاذقية لا تعرف تنوع الفاكهة وتعدد أصنافها، وما حصل أن بساتين بلدات دورين. سلمى. كنسبا. من التفاح تعرضت لخراب العصابات الإرهابية، منها ما احترق وأهمل ومات، وبذلك فإن الأرقام المطروحة حول الأشجار المنتجة بحاجة لتعديل لم يتم بسبب ظروف تلك المناطق الساخنة جداً، قال شامدين من بلدة دورين إن موسم التفاح قد دمر منذ دخول العصابات وقد أهملت البساتين، وحين حررت دورين من قبل قوات الجيش العربي السوري كان الوقت قد فات، الخسائر كبيرة ونحتاج لوقت طويل كي نعيد تأهيل البساتين وتفاحنا كان مصدر رزق أبناء المنطقة.
يتحسر شامدين متألماً ويضيف: أنت زرتني في بستاني قبل الأزمة ورأيت الثمر النضر الذي تهفو إليه النفس، يبست أشجاره وتفحمت جذوعه، فقلت له: وأذكر أيضاً أنك كنت تستوقف الزوار وتقدم لهم ضيافة من بستانك، هو النعيم الذي افتقدناه فعلاً من تابع تفتح التفاح وتكوين ثمره وتبدل لونه بشكل تدريجي وصولاً إلى الأحمر الغامق أو الرمادي الفاتح، أو مزج اللونين، فسيجد نفسه يحيا أنغام (أوبرا) طبيعية، سيدخلها برهافة حس، وإيقاعاتها الداخلية تتمازج بين الصورة والصوت، والطبيعية أوبرا لكن التفاح في نضجه يعتبر (المايسترو) تابعت هذا الانسياق بين كسب ودورين ليفصلني الإرهاب عن هذه المتابعة السنوية التي كانت بالنسبة لي موعداً مع السحر والجمال، عرفت التفاح في بلدة مجدل شمس بالجولان المحتل وبرغم صغر سني حينذاك جذبتني مراسيم النضج، وكانت أسرتي قد أقامت فيها بسبب عمل والدي في القوات المسلحة.
يشاركني الشعور أبو عبد قصاب صاحب بستان في كسب، تحدث عن الأشجار كأنه يتحدث عن ابن افتقده، أمل كان يعيشه وخربته الهمجية، كنا نفرش وننام ليلاً تحت الشجر نلبي حاجتها وهي تطلب منا ما تريد، وخرجت نسبة لا بأس بها من بساتين كسب عن الإنتاج، منها ما حرق أو أهمل ويتطلب الأمر وقتاً لإعادتها إلى سابق عهدها.
•    الموسم
بدأ القطاف الذي تستعد له الأسر المنتجة، كانت رغبتنا في الوصول إلى البساتين البعيدة، لكن ثمة ظروف أمنية تحول دون ذلك، وكما هو حال الأسر فإن التجار أيضاً يتابعون ويستعدون للحصول على النتائج الربحية التي تخدم طمعهم، بعض المنتجين سبقوا التجار وطرح في سوق اللاذقية ما تبقى من تفاح كسب الصغير الذي يباع حالياً 250 ل.س للكيلو أما المتوسط 300 ل.س ولا تكاد تخلو تفاحة من آثار المرض الذي ظهر كبقع على الغلاف الخارجي، ما جعلهم يسرعون في التسويق، والسبب أن أسعار الأدوية ارتفعت كثيراً.. البيدون الصغير لأحد الأمراض 25000 ل.س فما العمل؟ وعلمنا أن مديرية الخزن والتسويق سوف تقوم بمهمتها كما في كل عام لتجري الفرز والتصنيف لتحصل على حاجتها، وهو ما يجنب المنتج أجور النقل واحتكار التجار لكن هذه اللجان لا تغطي كامل الإنتاج ولا تستطيع.
وكما في الحمضيات فإن فكرة فتح أسواق خارجية للتصريف مطروحة وتناقش مع الجهات المعنية، وكان مشروع عصير التفاح قد نوقش قديماً لكنه لم ينفذ، وفي فتح خط لأحد معامل القطاع الخاص لا حل جذرياً مع أنه لقي رواجاً، لكن المستهلك يفضل الطازج، ولعصير التفاح مواصفاته وينبغي أن يتم الحصول عليه بسعر معقول، فالكاسة الكبيرة تصل أحياناً إلى 300 ل.س، ولهذا تبريراته عند محلات العصير. غلاء السوق. النقل. مواد استهلاك مولد الطاقة الكهربائية. ضريبة المحل. وغيرها. وبالمناسبة فإن المنتجين الذين لم تمكنهم الظروف الساخنة من الوصول إلى بساتينهم يجدون أنه من الواجب النظر في أوضاعهم ويأملون في التخفيف عن أضرارهم، ومن التقيناهم كانوا يرغبون في إيصال صوتهم وهو ما نرجوه..
خسائر الوطن كبيرة جداً، وما علينا إلا الصبر، ونأمل أن يأتي الموسم القادم وقد أعدنا للوطن نضارة وجهه كالتفاح في انتصار يعيد حياتنا وخيرنا ونعمتنا إلى ما كنت عليه... وبالعمل والصبر والتضحية ننال المراد.