الإيمان يبعث الطمأنينة وقد يكون العلاج

الإيمان يبعث الطمأنينة وقد يكون العلاج

الأزمنة

الأحد، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٥

زهير جبور
لم ألحظ اندهاشاً متكاملاً إلى حد ما كهذا الذي التقطته أثناء حواري مع المواطنين فيما يخص ارتفاع سعر الدواء بنسبة 50% حسب نوع الدواء وأهميته العلاجية، وهذا بطبيعة الحال انعكس هلعاً على الفقراء المرضى أصحاب الدخل المحدود الذين لا يؤمنون قوت يومهم، وكانوا قد نظموا دخلهم مقتطعين ثمن الدواء ليحل قرار النسبة المعني ويخربط حساباتهم بكاملها، وحين حدثني المتقاعد كان في نبرات كلامه الأسى والحيرة(كيف أقارن بين عملية شراء الدواء والغذاء وفي الحالين الموت مرضاً أو جوعاً ما الفرق إذا كانت النتيجة واحدة) حتى هذا الحد وصل الأمر، وتلقى الفقراء صدمة قرار لا بد أنه درس ونوقش وعولج وأبديت حوله الآراء وظهرت نتائجه السلبية، وهو كغيره لا تأثير له إلا على الفقراء الذين يصدمهم السوق كل يوم بأسعار ترتفع في كل ما يخص حياتهم ومرتباتهم تراوح في مكانها دون أي رصد لحالاتهم أو أسلوب عيشهم.
•    الانعكاس
رحب الصيادلة بالموضوع.. ومنهم من شعر بالارتياح خاصة أصحاب الصيدليات الكبيرة الذين يخزنون كميات من الدواء، لتأتي الزيادة محققة لهم أرباحاً لا بأس بها، وبرأيهم أنهم يتحملون نفقات المولدات في مستودعاتهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وأجور النقل، وما يترتب عليهم من ضرائب ومصاريف، وفي حال فقدان الدواء لمدة صلاحيته فهم يتلفون كميات على حسابهم، ولا يغامرون بسمعتهم المهنية في تصريفه كيفما اتفق أو بتخفيض ثمنه وبيعه للمحتاج، إذاً فالقرار لم يكن مفاجئاً، وكذلك شركات الأدوية وقد ارتفع سعر المواد الأولية عدة أضعاف عما كان عليه، إلى جانب الأضرار المالية التي تحملتها بعض المصانع، ما جعلها تخفض من كمية إنتاجها، وتكتفي بأصناف يتطلبها السوق الدوائي وهي تضعها خدمة للمواطن في ظروفها الصعبة وتتحمل خسائرها، ويجدون في ذلك عملاً وطنياً فرضته الظروف السيئة وعليهم تحمل المسؤولية ومتابعة الإنتاج ضمن الإمكانات المتاحة فهل هذا الكلام يقنع؟ وهل نعتبر إنتاجهم السابق في سبيل الله والخير؟
ورأي آخر:
يشير إلى أن الأدوية غير المنتجة في البلاد وحسب التقديرات الصيدلانية يبلغ عددها 120 صنفاً، تدخل مهربة من دول الجوار وتباع بأسعار مرتفعة جداً، ويحصل عليها المواطن بطرق غير شرعية، وثمة ضعفاء النفوس واللصوص يتاجرون بها وقد شكلت سوقاً للربح لا يستهان به، ودخلها سماسرة ومهربين، والخطورة أن هذه الأدوية غير صحيحة المنشأ، وثمة مافيات غير خاضعة للرقابة تقوم بتصنيعها، وهذه لا تقل خطورتها عن المتاجرة بأعضاء البشر أو تهريب السلاح والمخدرات وكل المحظورات، وحين يرتفع سعر الدواء المحلي وتتوافر المادة الأولية للصناعة يتراجع تهريب الدواء ومما لا شك فيه أن المصنع محلياً يخضع للرقابة الصحية وهو أفضل بكل الأحوال من دواء مجهول الهوية أو يحمل اسم شركة ما تزويراً، ومن المعروف أن المافيات تقوم بأي عمل يخدم مصالحها خارجة عن القانون الإنساني الذي لا تخضع له ولا تعترف به، ويكون الحل كما في قصص الأطفال الخيالية الزيادة التي قصمت ظهور الفقراء وحدهم.
•    بين هذا وذاك
ثمة تبريرات للرفع وصلتنا وأعباء يتحملها الصيدلي والمنتج، وظروف البلاد المؤسفة تضعنا بين فكي كماشة تحصر حناجرنا، وتضغط على أنفاسنا، ولا بد أن الحكومة تقف عاجزة مالياً عن تقديم أي حماية تذكر، ولا وجود لضمان صحي شامل في بلادنا، وثمة تجار أفرزتهم الأزمة يتلاعبون بكل شيء، وهؤلاء تواجدوا بين الأطباء بكافة اختصاصاتهم وبعضهم يفرض السعر الذي يناسبه، وانتشرت موضة العمليات الجراحية ولمجرد الشعور بأي ألم كان سيكون الجواب الجراحة خاصة في أمراض القلب والعيون وغيرها، وأجور المستشفيات الخاصة التي تحولت إلى فنادق الدرجة السياحية الأولى مع خدمات قليلة، وصل مبلغ القثطرة القلبية في إحدى مستشفيات اللاذقية إلى مئة ألف ليرة سورية بين أجور الأطباء والإقامة، وزرع الشبكية يتراوح من 350 إلى 500 ألف ليرة سورية وفي اللاذقية شبه احتكار للصور الشعاعية وغيرها، وفي مثل هذه الحالة لا رقيب، والحالة المشخصة يحددها الطبيب ويتعامل معها ويقدرها كما يريد، وما على المريض إلا الالتزام وعدمه، منهم من أجبر على بيع منزله ليلحق بنفسه، ومن له منفذ استدانة فقد طرقه واستعان به، ومن حصل على قرض بنكي خصصه للعلاج، وهذه نماذج كثيرة وليست استثنائية، وكان من المفضل أن تكون الحكومات السابقة قبل الأزمة قد أوجدت قانوناً للسلامة الصحية والضمان، ومستشفيات القطاع العام ليس باستطاعتها تقديم خدماتها لكل محتاج وهي تواجه ضغوطاً كبيرة وتؤدي واجبها الوطني وتستنفر كل إمكانياتها للجرحى والمصابين.
•    الآلة الحاسبة
من التقيناهم عبروا عن اندهاشهم وتحولوا في لحظات إلى آلة حاسبة، كنا ندفع ثمن دواء الضغط. السكر. الشحوم. قطرة العين. تمييع الدم. ويطرحون المبلغ السابق ثم يضبطون آلية نسبة الزيادة، ليصبح المبلغ المطلوب كما هو الرقم، ويجرون مقارنة سريعة اكتسبوا خبرتها من تكرار الحساب بين مرتبهم وثمن دواءهم، ثم يختمون بنظرة لها الكثير من المعاني وأولها شعورهم بالإجحاف والإهمال والضياع وحرمانهم من حقوقهم المواطنية ودفعهم إلى الانتماء..... قال أحدهم: سأتوقف عن الدواء وبصراحة أنا لا أستطيع تأمين ثمنه شهرياً، زوجتي مريضة. وأنا مريض، ولا معيل لي إلا الراتب، ولا طبابة لي في عملي، ولذلك سأفتش عن طب الأعشاب فهو أرحم، وحين طرحت عليه أنه قد يكون غير فعال والأمر بحاجة للدقة والكشف، قال لا دقة ولا كشف، وثمة أمراض كثيرة تعالج بالطب الشعبي والأعشاب، هو مقتنع فيما يقول، وذكرني بجملة لفرجيل القديم ( عندما تكون مؤمناً فسوف تلفك الرعاية السماوية) وقد يكون حالنا اليوم الاستسلام لهذه القدرية التي تجعل من الحجارة شفاء، ومهما كانت الأسباب فإن ارتفاع الدواء الذي تكرر سابقاً عدة أضعاف جاء في غير محله، خاصة وأن جميع الأسعار الأخرى ترتفع آلياً، ولها في كل يوم سعر مضاف على ما سبقه، أي إنها لا تعرف الانخفاض هي في صعود دائم.
بين الدواء والغذاء والقهر يعيش المواطن السوري الفقير، وبالمقابل هناك البذخ التافه، والثراء المستعجل، واللصوصية المستفشرة، وأكدت الأحداث أنه وحده الشريف السوري الفقير يدفع الثمن ويضحي ويتحمل ويصمد ويرفع علم الوطن مصراً على انتصاره.