بين الماضي والحاضر وعيد الصحافة

بين الماضي والحاضر وعيد الصحافة

الأزمنة

الأحد، ١٣ سبتمبر ٢٠١٥

زهير جبور
كانت مشاركتي في ندوة عيد الصحفيين التي أقامها فرع اللاذقية بمناسبة عيدهم الأسبوع الماضي فرصه لتنشيط ذاكرتي والعودة إلى العمر المهني الذي مضى، ووقفت كمن ينفصل عن ذاته في لحظة استغراق مستدركاً ما فاته، والسنون تتكسر مسنناتها، وتساءلت كمن استيقظ من كابوس: هل أنا ذلك الشخص الذي عاش ذاك الزمن؟ سؤال طبيعي ومن منا لم يطرحه؟ هل صحيح كنت ذلك الطفل. الصبي. الشاب؟ وتتوارد الخواطر وخاصة نحن نتأمل صورة قديمة بالأبيض والأسود، ولم يكن التشخيص حينها قد تطور إلى ما هو عليه اليوم، ووسائل الاتصال أسرع من المتخيل وصفحات الحداثة الالكترونية طغت على أساسيات المهنة، وحولتها إلى سلعة كما هي مستحضرات الغسيل والمجالي والصحون والحمامات، وحل التعريف بالصحفي سهلاً محرراً من الشروط التي ينبغي أن تتوافر فيه، وقديماً كان الجامع بين الأدب والسياسة والاقتصاد والعارف بأولويات العلوم الزراعية والصحية والاجتماعية، ومعامل الغزل والنسيج، ومبادئ علم النفس، فهو بحكم العمل سيقابل المثقف والخبير والعامل وراء الآلة، والفلاح خلف المحراث، والأم المثقفة والأمية، وعلى خطابه أن يحمل التوافق الكلي وإن لم يحصل فهو غير جدير بالقلم ولا بالورق، وهو الناقل لما سيعرفه الناس من خلاله تحليلاً. دراسة. توضيحاً. خرجت التسمية عن مفهومها، وتلاشت سطوتها حين دخلت السوق فاختلط الأصيل بالمزيف، روث البقر مع الورد، وفرضت آليات الفساد مناخاً يثير التقزز، وتمت دعوتي للمشاركة في الندوة بعيد الصحفيين وكان متواضعاً أكثر مما ينبغي فعدد الحضور من الزملاء أنفسهم كان قليلاً، وغابت عنه رعاية الجهات المحلية التي لم ترسل مندوباً عنها يشاركنا العيد الذي جعلناه مناسبة فكرية وليست خطابية ولا مهرجانية فتأججت الذاكرة واستحوذت على مشاعري بكاملها.
•    لتعود بي إلى الوراء
وقد استحضرت زمنه وكنا نستعد في اللاذقية لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط وحينها لم تكن ثمة صحافة بمعناها إلا مراسل وكالة الأنباء السورية المرحوم (مصطفى عمران)، وحين قدمت من دمشق إلى اللاذقية ضمن الاستعدادات للدورة الرياضية كانت قرية كبيرة تفتقر إلى كل شيء، وشكلت جبهة العمل من إنجاز المنشآت الرياضية إلى السياحية، وتحسين المظهر الخارجي للمدينة وتوسيع شوارعها وجعلها في وقت لا يتجاوز السنتين مهيأة للدورة العالمية، والموضوع لا يخضع للنقاش ولا التردد أو التريث، وهكذا بوشر بالعمل ومن جملته إنشاء المركز الإذاعي والتلفزيوني. مكاتب الصحف (الثورة. البعث. تشرين) وترأس عمل المركز الزميل المرحوم عدنان بوظو للرياضة، والزميل قاسم ياغي لرئاسة المجموعة الإعلامية، ووقتذاك كنا نفتقر إلى معرفة (البث المباشر) من اللاذقية عبر التلفاز، وتحركت الجهود الوطنية المخلصة، فالأمر يرتبط بسمعة سورية وعظمة دورها المحوري في قضايا المنطقة، وأي هفوة صغيرة سينال منها ويضخمها الإعلام الصهيوني الذي حارب الدورة حتى النهاية، وشوش عليها في دول الغرب المشاركة وغير المشاركة، وعملنا في ظروف لا يمكن أن أتوسع في تفاصيلها القاسية، ولم نكن نشعر بالتعب ولا الإرهاق، وكان هدفنا الرئيس هو النجاح ولا شيء آخر، وأذكر ذلك اليوم الذي كان به ضيفنا على الهواء مباشرة، الفارس الذهبي الشهيد باسل الأسد، الذي استضيف في استديو المركز، ومن سوء الحظ ولأسباب فنية خارجة عن إرادة المعنيين تأخر البث المرتبط مع الاستديو المركزي بدمشق لأكثر من ساعة حتى يتم إصلاحه، فما كان من الفارس إلا تقبل الأمر من دون أي تأفف أو تذمر، وأذكر جملته التي قالها: (سأبقى معكم حتى يتم الإصلاح وينجز العمل كما هو أرجو ألا ترتبكوا.. ومثل هذه الأعطال تظهر في كل شاشات العالم) ونقل هذا الكلام للفنيين الذين كانوا قد توقعوا شتى الاحتمالات، وللتاريخ أظهروا براعة تفوقت على الخبراء اليابانيين الذين جهزوا المحطة، هذه حادثة من حوادث كثيرة جداً لكن تجربة الدورة الرياضية خرجت كوادر واثقة وهي التي ساهمت لاحقاً في تطوير فنية العمل التلفازي في بلادنا، منهم من غادر البلاد وما يزال يعمل في الخارج، ومن رحل عن الأرض، ومن أهمل وتقاعد، ومن يعمل حالياً في الإذاعة كالمخرج محمد عنقا صاحب الخبرة الواسعة، كما خرجت معدين ومخرجين وصحفيين بعثرهم الزمن، ولم تنصفهم الإدارات التي تعاقبت على الوزارة، وبعضهم وصل إلى مراكز حساسة جداً دون التفريق بين الصحافة المكتوبة أو المرئية على مبدأ كله عند العرب صابون، وهذا الصابون أدى إلى تزحلقات نواجه اليوم أضرارها ونتائجها.
•    الواقع
كان من الممكن استثمار الطاقات الرياضية والإعلامية وكان على اللاذقية أن تكون الأولى في الرياضات المختلفة وقد جهزت المنشآت لهذا، وتوافرت الصالات، ودفعت الأموال الطائلة لمدينة رياضية كانت في حينها من المدن المتطورة المهمة ليس على حوض البحر فقط بل في العالم، وما جرى جاء عكس المتوقع تماماً، وحلت الأحداث المؤسفة الدموية، فحولت المدينة إلى موقع لاستقبال الإخوة الوافدين من المحافظات الساخنة مع بداية الأحداث في أمل لعودتهم إلى محافظاتهم بعد الانتصار، وشغلها أيضاً الدفاع الوطني، ويعمل فيها حالياً المركز الإذاعي والتلفزيوني، أما فيما يخص عيد الصحفيين فقد كان قبل الأحداث يعتبر مناسبة تفرض حضورها في إبراز علاقة المواطن مع الصحافة، واستعراضاً لدورها فيما تقدمه من خدمات لمصلحة المجتمع وقضاياه وحقيقة الأمر كانت المكاتب الصحفية تعمل في هذا الاتجاه، وبالخصوص جريدة الوحدة اليومية الوحيدة، والتي توقفت عن الصدور وشكلت فراغاً وكانت تتواصل مع أبناء الساحل السوري وتحمل قضاياهم وآراءهم، وأسباب الإيقاف قد تكون اقتصادية ومالية، لكننا لو قارنا بين ذلك وإيقاف النشر فسوف نجد أن أهمية متابعتها لا تقاس بجانب مادي وهذه وجهة نظر جماهيرية وخاصة أنها اهتمت منذ صدورها بالجانب المحلي، واعتبرت نافذة يطل منها المواطن على المسؤول، وكانت تضم أقلاماً ناضجة تفاوتت في فهمها لأهمية العمل الصحفي، لكنها كانت تؤدي غرضها، ومما لا شك فيه فإن حضورها اليومي كان له أصداء واسعة، مع ملاحظة وجود قناة (أوغاريت) التلفازية وإذاعة أمواج (إف إم) لكن للصحافة المكتوبة دورها الذي لا يمكن أن تغطية المشاهدة أو المسموعة، وبمناسبة عيد الصحفيين نقترح إعادة الجريدة إلى الصدور ليتكامل المشهد الإعلامي مع الساحل السوري، وهو رجاء ننقله للسيد وزير الإعلام الذي استمع في اجتماعات عقدها مع الصحفيين باللاذقية وجهة نظرهم وهو يشكر لأنه وجه بإنشاء القناة والإذاعة وما نرجوه أن يستكمل التوجيه وتعود الجريدة لقرائها في الساحل من جديد مع ملاحظة أننا اجتهدنا في السابق كثيراً حتى تحقق حلم أبناء الساحل في هذه الجريدة.
•    وبمناسبة العيد
يقول الزميل إبراهيم شعبان: إن الفرع نفذ مجموعة نشاطات على مدار أربعة أيام بدأت بالندوة الفكرية التي قدمها الزملاء زهير جبور عضو اتحاد الكتاب والصحفيين. الزميل عبد العزيز شيباني عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين. مروان حويجة مدير مكتب جريدة البعث. وإبراهيم شعبان رئيس تحرير الوحدة الإلكترونية، وامتزجت الندوة مع إضاءات على خطاب السيد الرئيس بشار الأسد، كما تم افتتاح دورات لتعليم اللغات الروسية والفرنسية للزملاء الراغبين، وشملت الكلمات التي ألقيت معاني العيد الذي حدد في 15 آب من كل عام وجاء مكرمة للصحفيين عبر خطاب تاريخي ألقاه السيد الرئيس بالمؤتمر العام الرابع للصحفيين واعتبر من حينها عيد الصحافة السورية.
كل عام وبلادنا بخير وعيدنا الكبير حين نراها خارجة من المؤامرة في انتصار بعيد ألقها وأفراحها ولنترحم على أرواح شهدائنا جميعاً ومن بينهم الزملاء الذين ضحوا واستبسلوا وهم يقدمون واجبهم الوطني والمهني، ولا بد أن الشعب الذي صمد، والقلم الذي قاوم إلى جانب السلاح والإيمان في القلوب المخلصة، عناصر لتحقيق النصر، مهما كان حجم الوحشية الخارجة عن مفهوم الإنسانية.