نار أقساط المدارس الخاصة..نصف مليون ليرة قسط سنوي لمدرسة ابتدائية؟ ماذا عن الأليات.. والتجاوزات!

نار أقساط المدارس الخاصة..نصف مليون ليرة قسط سنوي لمدرسة ابتدائية؟ ماذا عن الأليات.. والتجاوزات!

الأزمنة

السبت، ٢٩ أغسطس ٢٠١٥

الأزمنة – مجد سليم عبيسي
نتيجة الارتفاع الكبير في أقساطها، لم تعد المدارس الخاصة بمتناول أصحاب الدخل المتوسط فقط بل خرجت عن ذات يد الطبقة المتوسطة وما فوق المتوسطة أيضاً. فقد وصلت أقساط بعضها إلى أرقام كبيرة تعجز أغلب الأسر عن دفعها خاصة في ظل الظروف الحالية وما تشهده بلدنا من ارتفاع للأسعار بشكل عام ما حدا بالكثير من الأسر إلى نقل أبنائها من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية لتوفير قسط المدرسة الخاصة لما هو أهم كتأمين الغذاء والكساء والدواء.
الامتعاض المتصاعد من قبل المواطنين حول ارتفاع أقساطها الكبير والمتصاعد تحت ذرائع مختلفة منها ما يتعلق بغلاء المعيشة والنقل والمحروقات وارتفاع أجور المدرسين والعاملين فيها وفي ظل تهاون وزاري وترك الحبل على الغارب في التسعير– حسب رأي مواطنين- جعل التوجه إلى طرح الموضوع ضرورة..
 
الأقساط المرتفعة.. مستحقة أم.. جريمة؟!
حسب رأي بعض التربويين فإن سبب توجه الأهل إلى التعليم الخاص في المراحل الأولى من التعليم الأساسي والثانوي "أي ما قبل الجامعة" يعود إلى التقصير الذي لوحظ خلال السنوات الأخيرة في المدارس الرسمية والاستهتار من قبل بعض الأساتذة في إعطاء المعلومة واعتمادهم على الدروس الخصوصية التي شكلت الأساس عند أغلب المدرسين.
وتراوحت آراء عينة من المواطنين بين حفنة قليلة دافعت عن الأقساط المرتفعة للمدارس الخاصة، وأغلبية اشتكت منها:
سمر الحمصي ربة منزل وأم لأربعة أولاد أكبرهم في الثانوية العامة قالت: إن أقساط المدارس الخاصة في دمشق مرتفعة جداً، الأمر الذي اضطرني إلى نقل أولادي الذين هم في صفوف انتقالية إلى المدارس الحكومية كي أستطيع أن أسجل ابني الكبير في مدرسة خاصة ذات سمعة جيدة لكونه في الثانوية العامة.
 
علا ربة موظفة حكومية قالت: أفضل أن أسجل أبنائي في المدارس الحكومية لتوفير القسط لما هو أولى مثل توفير الغذاء وخاصة مع ارتفاع الأسعار الكبير لأغلب المواد الغذائية والاستهلاكية.
 
عبد القادر سائق أجرة اشتكى من المدارس الخاصة وأقساطها المرتفعة رغم أن طفله يدرس فيها حيث قال: كل سنة ترفع المدرسة القسط بسبب أو من دون سبب ولم نعد نعرف التسعيرة الحقيقية والأساسية لهم، ولدى استفساري عن السبب تكون الحجة دائماً جاهزة وحاضرة وهي ارتفاع الأسعار وغلاء المحروقات!
 
ناديا مدلة "مدرسة" قالت إن أقساط المدارس الخاصة هي جريمة ترتكب بحق التعليم، فرغم الأعذار التي يقدمها معظم أصحاب المدارس والمبررات "الكاذبة"، إلا أن الحقيقة هي بأن القسط يذهب معظمه لجيب صاحب المنشأة، بينما مرتبات المدرسين زهيدة.. وتخيل بأن هناك مرتبات ثمانية آلاف ليرة لبعض المدرسات في بعض المدارس الخاصة.. ومعظمهم خريجات ثانوية عامة فقط.. أي غير مؤهلات لتربية الأجيال والتعليم!!.
"صفية" مديرة مدرسة خاصة قالت: يريد المواطن أن يحظى ابنه بمعاملة جيدة وتعليم ممتاز ووسيلة نقل من المدرسة إلى البيت وبالعكس من دون أن يتكلف شيئاً.. غريب أمره !! وهل يظن أن العاملين في المدرسة متطوعون, هم أيضاً أصحاب أسر ولديهم التزامات مالية ويريدون رواتب تناسب ما يبذلونه من جهد وتعب مع التلاميذ وهو ما تؤكده نتائج أولادهم آخر العام فأغلب المتفوقين هم من طلاب المدارس الخاصة.
بينما أشار مروان بركة "شريك في مدرسة خاصة" أن هناك ظلماً وإجحافاً يطول المدارس الخاصة المستأجرة فيما يتعلق بالأقساط والأجور ولابد من الأهل أن يدركوا أن المدرسة الخاصة تقع عليها أعباء والتزامات مالية كبيرة تتعلق بدفع إيجار المدرسة الذي هو بحد ذاته يكون مرتفعاً لا يمكنها تسديده إلا من خلال رفع الأقساط وهو أمر طبيعي على الأهل إدراكه.
 
أبو الورد "أعمال حرة" : رغم أن هذه المدارس أقساطها مرتفعة جداً فهي تبدأ بـ 75 ألف ليرة سورية من الصفوف الأولى إلى نحو 300 ألف في الصفوف المتقدمة ولكن المستوى التدريسي فيها ممتاز، وأنا شخصياً سبق أن وضعت ابني في هذه المدارس للصف السادس فقط ولكن وضعي المادي لم يعد يسمح فنقلته إلى مدرسة حكومية لأستطيع متابعة تدريس أخيه في المدرسة نفسها وللفترة نفسها.
 
مدرسون بالوساطة.. والآخرون بالاستغلال:
السؤال المطروح.. هل المستوى التعليمي في القطاع الخاص يتناسب مع المبالغ المدفوعة حقاً؟!
وما مستوى المدرسين المختارين في مدارس كهذه؟!
على هذا استوضحنا الأستاذ خالد "موجه سابق في إحدى المدارس الخاصة" فأجاب:
هناك مدارس ذات الأقساط المرتفعة جداً والتي يصل بعضها إلى قرابة نصف مليون ليرة سورية سنوياً تختار المدرسين بعناية لا بأس بها.. وبالمقابل تكون المرتبات جيدة ومجزية وهناك اهتمام بالطفل أو الشاب يكون ملموساً من الأهل على مستوى أداء الابن سواء الدراسي أو التربوي.. ولكن من يقدر على دفع هكذا مبلغ في هذه الأوضاع؟!
بالمقابل هناك مشكلة تكمن في المدارس الخاصة ذات الأقساط التي تعد متوسطة مقارنة بغيرها أي من 75 ألف ليرة سنوياً وحتى 150 ألف ليرة.
تبدأ المشكلة من اختيار الكوادر التدريسية وخصوصاً بالنسبة للمدارس الابتدائية حيث يتم التركيز على شريحة الخريجات الثانويات.. مع التهميش الواضح للجامعيات وحملة شهادات التدريس الاختصاصية مثل "رياض الأطفال"!!
والسبب يعود إلى التوجه نحو صرف أقل مرتبات ممكنة للمدرسات، وظاهرياً قد يكون المرتب في العقد الموقع أكبر من المقبوض الفعلي "لأجل التفتيش من التربية" ولكن من يتجراً على المطالبة أو الاشتكاء من المدرسات وقد وقّعن على استقالتهن سلفاً مع عقد العمل؟!
وهنا تجد الضعف العلمي يبدأ بالظهور على الطفل ومعظم حالات سوء التدريس في المدارس الخاصة وعدم الاهتمام لا تظهر نتائجها إلا بعد إنهاء المرحلة الأساسية أو الانتقال إلى مدرسة أخرى.. وهنا يكتشف الأهل هذا الأمر وتبدأ رحلة جديدة مع الدروس الخصوصية وإعادة التأسيس.
عدا أن معظم هذه المدارس الخاصة توظف مدرسات بالوساطة، أي بنات معارف المدير أو أقرباؤه ومنه فإن الاختيار هناك لا يتم على أساس المهارات ولا الشهادة ولا الخبرة.
 
رأي الوزارة باختلاف تسعير الأقساط :
اختلفت آليات تسعير أقساط المدارس الخاصة ضمن المحافظات السورية وبصيغ قانونية مختلفة.. فمنذ نحو ثلاثة أعوام..
وزارة التربية وفي تصريح سابق مسؤول أشارت إلى أن تحديد الأسعار في المؤسسات التعليمية الخاصة يتم وفق الأحكام المادة 37 من التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004 والتي نصت على أن تلتزم المؤسسة التعليمية الخاصة قبل بداية تسجيل الطلاب في كل عام وبدءاً من العام الدراسي 2006-2007 بإعلام مديرية التربية بالأقساط المدرسية السنوية والمحددة من قبلها لكل مرحلة وإعلانها بشكل بارز في لوحة الإعلانات الخاصة بالمؤسسة على أن يشمل القسط الرعاية الصحية والخدمات التعليمية وثمن القرطاسية الخاصة بالمؤسسة التعليمية, أما بالنسبة لأجور الخدمات الأخرى والميزات الإضافية بما فيها أجور نقل الطلبة، فعلى المؤسسة إعلام المديرية وأولياء الأمور بها قبل التسجيل أيضاً ويعد حجب هذه المعلومات عند طلب التسجيل مخالفة صريحة توجب المساءلة في ضوء المواد ذات الصلة، وتمنح المؤسسة أولياء الأمور إيصالاً بالمبالغ المسددة من قبلهم وبشكل مفصل.
ولا يجوز إعادة النظر بالأقساط المذكورة قبل مرور سنتين ويمكن زيادتها بنسبة 1% سنوياً إلى 3% كل ثلاث سنوات بموافقة الوزارة في العام الدراسي التالي. وللوزارة الحق في إعادة النظر في أحكام هذه المادة عند اللزوم، وإذا تجاوزت المؤسسة التعليمية الخاصة الأقساط المعلنة تتخذ بحقها العقوبات المنصوص عليها في المادة 101 من هذا المرسوم.
 
وفي التصريح تم التنويه إلى سبب السماح برفع الأقساط السنوية للتعليم الخاص :
في ضوء مطالب أصحاب المؤسسات التعليمة الخاصة وبسبب التغيرات الطارئة والمتمثلة في زيادة أسعار مستلزمات العملية التعليمية من قرطاسية ومقاعد وصيانة الأبنية والكتب والزيادات الدورية والتي تشمل ترفيعات العاملين في المؤسسات التعليمة الخاصة كل سنتين أسوة بنظرائهم في التعليم الرسمي.
في ضوء ما سبق أصدرت وزارة التربية بلاغها القاضي بالسماح للمؤسسات التعليمية الخاصة في دمشق بزيادة أقساطها للعام الدراسي 2011-2012 بما يتناسب مع زيادة أجور ورواتب العاملين لديها بعد موافقة مديرية التربية شريطة تقديم كشوف بفروق الرواتب والأجور للعاملين مرفقاً بكشوف أصولية عن المبالغ المدفوعة عنهم لمؤسسة التأمينات الاجتماعية وتمت الإشارة إلى أنه لم يستفد من هذه التعليمات سوى بعض المؤسسات التعليمية الخاصة والتي تقدمت بالكشوف والتي تتناسب مع زيادة أجور العاملين بنسبة زهيدة.
بينما في اللاذقية تم رفع الأقساط للمدارس الخاصة كلها، وتم تحديد النسبة المئوية للزيادة من فئة رياض الأطفال وحتى الثانوي وفق ما يلي: إذا كان قسط مدرسة 30 ألفاً يزيد 57%، وإذا كان قسطها عشرة آلاف يزيد مئة في المئة، ومن 30 ألفاً إلى 60 ألفاً يزيد 50 %، من 60 ألفاً إلى مئة ألف يزيد 25%، وكل قسط فوق المئة ألف يزيد 15 في المئة، ولا تشمل هذه الزيادات الميزات الأخرى كأجور النقل والتسجيل والكتب واللباس.
وفي حمص وافقت مديرية التربية في حال كان القسط أقل من عشرة آلاف ليرة، بالزيادة بنسبة 100% وإذا تراوح بين عشرة آلاف ليرة إلى 30 ألفاً يسمح بالزيادة بنسبة 75%، وإذا كان القسط بين 30 إلى 60 ألفاً يسمح بنسبة 50% وإذا تراوح بين 60 إلى مئة ألف فيسمح بنسبة 25% وإذا تجاوز 100 ألف فالزيادة المسموحة بنسبة 15%..
وأكدت الوزارة وجوب التقيد بالأقساط المدرسية المبلغة إلى مديريات التربية والمعتمدة أصولاً وعدم زيادتها للعام الدراسي تحت طائلة فرض العقوبات بحق المؤسسة الخاصة المخالفة.
 
هل توجد فعلاً آلية تحديد للأقساط؟
وعن آلية تحديد الأقساط في المؤسسة التعليمية الخاصة تم الإيضاح بأنه يمكن أن يتم ولكن وفق معطيات معينة يجب أن توضّح عند الترخيص، وأهمها قيمة العقارات والتجهيزات، رواتب وأجور العاملين، الخدمات التربوية والنفقات الكهربائية الموجودة في المدارس للتكييف والإنارة والتدفئة، كما أن أرباح هذه المؤسسات التعليمية الخاصة تخضع لضريبة الدخل بموجب القانون رقم 24 لعام 2003.
 
أخيراً...
في عينات إضافية تم بحثها تعددت وجهات النظر بين من يرى أن المدرسة الرسمية أفضل من حيث التربية والتعليم، وبين آخرين يرون أنها تقتصر على شريحة اجتماعية معينة، ومنهم من يعتقد أنها ساعدت الأهل في تحمل بعض مسؤولياتهم في ظل توجه الأم للعمل.
ونحن نرى أن المؤسسات التعليمة الخاصة هي أنها رديف حقيقي وصادق يسهم إلى جانب المؤسسات التعليمية الحكومية في تحمل مسؤولية التربية والتعليم، وترفع عن كاهل القطاع العام أعباء حقيقية وتعطي نتائج تربوية جيدة.
ولكن من المهم ألا يتأثر الهدف التعليمي بالهدف الاقتصادي، وأن تكون هناك فكرة سامية في تربية المجتمع في المقام الأول، وهدف عظيم هو أن تربية الأجيال تربية جيدة ليس حكراً على شريحة معينة يحددها ضمير صاحب كل مدرسة المأسور بضخامة أرباحه.