أنواع مستحدثة من البرغش

أنواع مستحدثة من البرغش

الأزمنة

الأحد، ١٦ أغسطس ٢٠١٥

زهير جبور
نتوقف عند أسئلة يظن سامعها أن الإجابة عنها تتم ببساطة ويسر، وإذا ما دققنا في المعنى المراد فسنجدها عكس ذلك، وهي تتطلب التفكير والتأني بالرد، ويمكن أن نتلقى جملة (ما هي الأحوال) ونجيب باختصار (نحمد الله على كل حال) وهو الحمد الذي يمكن من الهروب، وتجنب التفاصيل، أو أنها الأحوال بخير وكفى ذلك، من منا لم يتعرض لاستفسار كهذا؟ وهل من المنطقي أن تقول للطارح تفضل واجلس لساعات كي تسرد الأحوال، وندخل السرد بالذي فيه وما فيه، وما بداخله وجوانبه، يبعث على الحيرة الكبرى، وثمة حيرة في الواقع تصل إلى انغلاقات صماء لا مخرج لها ولا تسربات، تضغط على العقل، فتطوق فضاء اتساعه، إن كان يمتلك تلك الميزة، وفي زمننا هذا كثيرون ممن افتقدوها، وطول البال من الرحمن، وليست من شدة إلا وسببها شدة، وحين تعيش اللاذقية انقطاعات تيار الطاقة بشكل متواصل مجدولاً في مديرية الكهرباء، خمس ساعات مقابل ساعة. ست ساعات. عشر. فهذا يترجم داخل بيوت الناس الذين خرجوا مجدداً من بهجة عيد الفطر السعيد، على أنهم سيحيلون ما خزنوه من مونة إلى القمامة بعد فسادها وعدم صلاحيتها، وعليهم أن يرشدوا في الطبخ، وإجراء معادلة اقتصادية دقيقة (لا تؤجلوا طعام اليوم للغد) اطبخوا بمقدار ما تستهلكون، وثلاجاتكم تحولت إلى (نمليات) فاقدة إمكانية الحفظ، وترقبوا أعطالاً كبرى في أجهزتكم العاملة على الطاقة، مع ملاحظة أن أبسطها مهما كان بحاجة للآلاف وورش الإصلاح بعيدة عن حماية المستهلك، وأنظمة الضبط غير نافذة، وهذا ما يحدث، وهو ما ازدادت الشكوى بشأنه، فجأة تغيب صورة التلفاز، يتوقف صوت محرك الثلاجة ولا يقلع، تصدر الغسالة عدة صرخات متتالية ثم تتلاشى بلا نبض صناعي، فما وصلها من تيار فوق احتمال مقدرتها المصنعة على أساسه (ضربها) وهي اللفظة الشعبية التي تتردد، (ضرب التلفاز. الغسالة. الثلاجة) ضرب العقل لأنه ليس باستطاعته أن يتحمل أكثر من ذلك، ومنذ ما قبل شهر رمضان وما بعده تزداد الحالة حالاً، والساعات تتناقص، وتطلب المديرية أن نترشد في استعمال الطاقة وتأتي التعليقات... نترشد وهل بقي لنا شيء من الرشد؟
•    الحباشون الصغار
أنواع جديدة من البرغش ظهرت في حياتنا الترشيدية، تدخل البيوت دون استئذان تعشش في الزوايا، وتنشط أثناء العتمة الليلية بشكل لافت ومهدد، ومقومات الاستمرارية متوافرة لها من ارتفاع درجة الحرارة إلى الرطوبة فوق معدلاتها الطبيعية، وغياب المكافحة والنظافة بشكل عام، ولا يكفي أن نفرغ حاويات القمامة ونمضي بل من الواجب غسلها وتعقيمها، وغسل الشوارع، والتخلص من الرائحة المقززة التي تنبعث، والأمر لا يحتاج لفك رموزه لأنه واضح، وسابقاً كنا مع عدد قليل من الصغار الذين يطمسون في قلب الحاوية للحصول على ما يمكن بيعه من المخلفات ولهذه تجارها الذين يعتمدون على الصغار في جمعها ونقلها، وأصبحت أعدادهم لا تحصى، ولا بد أنهم في عملهم هذا يحملون الكثير من الجراثيم المعدية، التي تهدد حياتهم وحياة مجتمعهم، وظاهرة التحبيش هذه غدت عادية جداً، من دون رقابة ولا مكافحة، وثمة من يستغلها ويحقق أرباحاً من خلالها، هؤلاء الذين ينتشرون في شوارع المدينة بسن المدرسة الابتدائية أو أقل، لم تبادر جمعية أهلية ما لمعالجة المشكلة مع الجهات المعنية لإلغائها أو الحد من انتشارها، لم تبادر جهة حكومية وعملهم يتم أمام رؤية الجميع وهم يلاحظون ازدياد أعدادهم.
•    عقصات خطرة
هذا النبش الذي يشمل جميع أمكنة تواجد القمامة، يساهم حتماً في تكاثر الذباب والبرغش والحشرات المختلفة، وانتشار الأمراض، وجميع المؤشرات المناخية وسواها تدل على أن الأمر يحتاج لمعالجة وخاصة أن عقصات هذه المولدات المتكاثرة بدأت تظهر على الناس، وتغزو بيوتهم، وما حدث مع إحدى السيدات أنها شعرت بوخزة البرغشة وآلمتها وتحول مكان اللدغة المباغتة في الساق إلى بقعة حمراء تطورت على شكل دملة مع ارتفاع في حرارة الجسد، وكما وصف الدكتور المعالج أنها لدغة مجرثمة والتعامل معها يتطلب الحذر الشديد، وهو ما جرى فعلاً واستمرت المصابة بأخذ أدوية الالتهاب والإبر أكثر من أسبوع ومن بعدها أجريت عملية التجريف بمخدر موضعي، أما الشاب علي البالغ من العمر عشرين سنة فقد انتشر الطفح الأحمر على كامل جسده وبشكل سريع جداً ما جعل أسرته تنقله ليلاً إلى مشفى الأسد الجامعي ليحدد الأطباء أنها قرصة حشرة أدت إلى حساسية من النوع الأول بالجلد، وكان وصول الشاب إلى المشفى بالوقت المناسب قبل أن تتفاقم حالته، فأعطي ثلاث حقن أبرية مباشرة وخضع للرقابة الصحية والاستجابة للعلاج، هما حالتان تمكنا من الوصول إليهما والتحدث مع المصابين، وتقول المصادر الطبية إنها متكررة وكثيرة ومن الطبيعي أن تظهر في مثل هذا الفصل الصيفي الحار، لكن ليس من الطبيعي الآثار الخطرة التي تتركها بعد القرص مباشرة، وثمة خشية من الأهالي على الأطفال خاصة..
الرقابة الصحية غائبة خاصة على شواطئ البحر، ويمكن القول إنها موجودة في نطاقها الضيق، وثمة مصادرات لمنتوجات غير صالحة للاستعمال من ألبان وأجبان ومشتقات أخرى، وكانت آخر جولة أشرف عليها السيد محافظ اللاذقية قد أدت إلى إغلاق مطاعم لا تراعي الشروط الصحية، وباعة سندويش.
لكن هل من المنطقي أن يتفرغ المحافظ دائماً للإشراف على جولات ميدانية ومن دونه لا يتم العمل.. وسيادته قدم إلينا وهو يحمل مخططه ويدرك جيداً ما الحال، لكنها الثغرات الكبيرة والفساد المستفحل، وبعد مرور زمن على تسلمه المهمة الصعبة جداً تمكن من أن يكتشف مواقع الخلل ويحاول الوصول لمعالجتها والأمر بحاجة لتعاون الجميع وجعل الصدق شعار العمل أن كان موجوداً ويؤخذ به.
•    وبالمقابل
ثمة جهات تقدم واجباتها بضمير وطني عال، وهنا ينبغي ألا نهمل دور المستشفيات العامة التي تتفانى في تأدية عملها، وهي مستنفرة من دون انقطاع، وتتقبل الحالات الإسعافية والمرضية، وكذلك عملها الأخلاقي والوطني في استقبال جرحى المناطق الساخنة مع ملاحظة تزايد عدد سكان المحافظة واحتضان الإخوة الوافدين إليها، وثمة تنبيه لاحظناه أثناء شهر رمضان في محاولة ضبط أسعار السوق، وهذه لا تحقق نجاحها الدائم، والتلاعب بالأسعار عملية انتهاز فرصة وشراء ضمير، واحتيال مبرمج على المواطن ولجان حمايته، أما الخطورة القصوى فتكمن في مادة الغذاء الذي ينبغي أن تكون خاضعة لرقابة صارمة وعدم الاستسهال فيها وخروجها عن السيطرة، وهذا ما يحصل لسوء الحظ.
والمهم الآن أن نستفيق جميعنا على النظافة داخل بيوتنا وخارجها، أن تسارع الجهات المعنية لرش المبيدات الحشرية، وأن تتصاعد حملات النظافة، وأن تزول الروائح التي تغطي شوارع المدينة تقريباً، أن نلتفت إلى الريف ونوليه العناية اللازمة، ومن المحزن جداً حالنا السياحية وقد شلتها الأحداث التخريبية. التدميرية. وهذا لا يمنع أبداً من أن تبادر السياحة لإنجاز مشاريعها المتوقفة وأن تعمل ضمن إطار علم المستقبليات لوضع خطط سياحية ينبغي أن تنهض وتقدم بعد الانتصار القريب نمطاً جديداً عن السياحة العلمية مستفيدة من أخطاء الماضي.. هل سيتم ذلك؟ ما يمكن أن نسجله الآن هو مجرد تصريحات إعلامية تكررت كثيراً لكنها على أرض الواقع لم تثمر نفعاً.