رغم حظر استيرادها منذ زمن بحجة حماية المنتج الوطني لا تزال البالة ملاذ الفقراء والألبسة الجديدة خارج حسابات الكثيرين

رغم حظر استيرادها منذ زمن بحجة حماية المنتج الوطني لا تزال البالة ملاذ الفقراء والألبسة الجديدة خارج حسابات الكثيرين

الأزمنة

السبت، ١ أغسطس ٢٠١٥

محمد الحلبي – رولا نويساتي

البالة كنز الفقراء وقناع الأغنياء... الكل ينتشر حول البسطات والمحال المترامية في أسواق البالة وكل منهم يبحث عن جوهرةٍ بالنسبة له يتلقفها من شخصٍ رماها راجياً منها أن تكمل ما تبقى لها من عمر برفقة جسده المرهق من أعباء السنين ومن الأعباء المالية الأخرى...فماذا عن هذه الأسواق؟ ولماذا تحاربها الجهات المعنية؟.
أسواق البالة هي من الأسواق المعروفة والمشهورة والمنتشرة بعدّة مناطق بدمشق, حيث بات في الفترة الأخيرة يلقى رواجاً وانتشاراً وميولاً واسعاً لدى المواطنين بسبب الأحداث الأخيرة في سورية, وانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية, حيث يمكن أن يكون هذا السبب هو السبب الرئيسي والمباشر لزيادة الإقبال على السوق, ويضاف إلى هذا السبب سبب آخر هو البحث عن الجودة في بعض الأحيان وبأسعار أقل عمّا توجد في محال الحمرا والصالحية والشعلان..
مجلة الأزمنة زارت أحد هذه الأسواق وتجولت بين أكوام البسطات وبعض المحال التي لا تعرض الألبسة فقط وإنما الأغطية والحقائب والأحذية, حيث يُمضي المتسوق وقتاً طويلاً وهو يبحث عن ضالته بين الأكوام المتراكمة.
لماذا سمي هذا السوق سوق البالة؟
سمي السوق سوق البالة لأن الزَبون يحتاج إلى بال طويل حتى يجد القطعة التي تناسبه وهو يبحث عنها, والبائع أيضاً يحتاج إلى بال طويل لينتهي الزبون من تقليب البضاعة, ومن ثم المفاصلة على سعر القطعة حتى يتم شراؤها, فمن هنا سمي السوق البالة, هذا ما قاله السيد أبو صلاح صاحب أحد المحال في سوق البالة بمنطقة الإطفائية بدمشق, وأضاف: إن زبائن السوق لا تقتصر على الناس الفقراء فحسب, فهناك أناس يرتادون السوق من جميع شرائح المجتمع وحتى الأغنياء منهم, ويتقبل البائع الانتظار الطويل بطولة بال ورحابة صدر ريثما ينهي زبائنه انتقاء ما يبتغون شراءه..
فيما قال أبو علاء صاحب أحد البسطات: ألبسة البالة عبارة عن تصافي المصانع والمولات الأوروبية, حيث تصلنا البضائع جديدة مع كرت المبيع عليها ويكون سعرها في الواقع أعلى بكثير مما نبيعه نحن, فتجد رواجاً بين الناس ويفضلها البعض على أرقى الماركات المحلية..
استيراد البالة محظور من قبل الحكومة منذ زمن, ومع ذلك لم تتوقف السوق عن العمل, هذا ما قاله السيد أبو طلال صاحب أحد المحال, ويضيف قائلاً: إنه رغم قرار المنع تصل البضائع بشكل أو بآخر إلى السوق.. محل أبو طلال يبدو مغايراً لباقي المحال فهو مرتب, والألبسة داخله معلقة في استاندات, فتبدو كأنها جديدة, تجولنا معه داخل المحل وهو يحدثنا أنه يشتري بضاعته بالكيلو, حيث تصل إليه عن طريق لبنان مفروزة بحسب جودتها وأنواعها (كنزات – بنطلونات – فساتين – ألبسة أطفال).. وأضاف أبو طلال: إنه يقوم بغسيل بضاعته, ومن ثم كيّها وترتيبها لتصبح جاهزة للبيع, وقد أعطانا موجزاً عن أسعار بضاعته فقال: إن سعر بنطال الجينز حوالي 1200 ليرة سورية وهو ذو جودة عالية, بينما يصل سعر البنطال المحلي الصنع متوسط الجودة إلى 3500 ليرة سورية, ويصل إلى 7000 ليرة سورية في حال كان عالي الجودة..
فيما قال أبو رضوان صاحب أحد المحال: كانت هذه المصلحة مربحة فيما سبق ومرّ عليها عصور ذهبية حيث كانت الصناعة المحلية محدودة, لتمر بفترة ركود قبل أن يعود عليها الإقبال من قبل الناس بسبب الضائقة المالية التي يعاني منها مجمل أبناء الشعب السوري بكافة شرائحه هذه الأيام, ومع ذلك تجد معظم الزبائن يجدون أن أسعار سوق البالة باتت مرتفعة مقارنةً بقدراتهم الشرائية المحدودة, لكن تبقى سوق البالة أرخص من أسعار أسواق الخمس نجوم (محال الحمرا والشعلان وبوابة الصالحية)..
أما أبو طارق فقال للأزمنة: دخلت غمار تجارة البالة منذ عامين تقريباً, حيث كان معرضي هذا مخصصاً لبيع أقمشة الستائر والمفروشات والبياضات وبعض الموبيليا, فكسدت تجارتي بسبب الأزمة, وعزفَ الناس عن شراء تلك الأشياء لأنها أصبحت من الكماليات, وفي أحد الأيام عندما كنت في سوق البالة أريد شراء بنطلوناً اقترح علي صاحب أحد المحال بتحويل محلي إلى معرض لبيع ألبسة البالة, لم أقتنع كثيراً بهذه الفكرة باديء الأمر, لكن كساد تجارتي دفعني إلى تجربة هذه التجارة, واليوم أقول في قرارة نفسي لو أني تاجرت بها منذ زمن وذلك لإقبال الناس الشديد عليها.
من قلب الحدث
ربا معلمة مدرسة بدت منهمكة باختيار كنزة وتنورة من إحدى البسطات.. قطعنا عليها مهمتها وسألناها عمَّ تبحث في هذه الأكوام؟ فقالت: أنا مولعة بالألبسة المستعملة بسبب جودتها ورخص أسعارها.. يكفي أنها أوروبية المصدر ولا تبلى بسرعة, وأكدت السيدة ربا أن الموضوع لا يرتبط بفقر الحال لكنها تحرص على أن لا تضيّع نقودها بتجريب الألبسة محلية الصنع..
أما فاتن فتقول: إن أسواق البالة هي المكان الأفضل لشراء الألبسة هذه الأيام, وخاصة أن الألبسة الجديدة صارت خارج حسابات معظم الناس, فنجد في سوق البالة الأسعار المعقولة والجودة العالية, حيث إن أغلب القطع أوروبية الصنع... وأضافت السيدة فاتن أن الأزمة غيّرت كثيراً من عادات السوريين مع انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، موضحةً أن سوق الألبسة المستعملة وفّر البديل المناسب لتعويضهم عن الألبسة الجديدة..
فيما قال أبو شاهر: أنا أتجول في سوق البالة دون خجل، وأكثر ما يلفت نظري الأحذية والجلديات, فالأحذية أصلية ومريحة وسعرها مقبول نوعاً ما, أما الثياب فأغلبها من الماركات العالمية وبموديلات عصرية.. ويضيف أبو شاهر: أن الغلاء الفاحش للبضائع الجديدة بالإضافة إلى جشع التجار جعل الناس تنفر إلى أسواق البالة بشكلٍ كبير..
فيما قالت (لين) طالبة جامعية: أذهب إلى سوق البالة ومعي حوالي 5000 ليرة سورية, وأعود بتشكيلة واسعة من الأشياء تغطي كل احتياجاتي.. لكن صديقتها نور عارضت هذه الفكرة وقالت: يبقى للثياب الجديدة بهجتها ونكهتها الخاصة, لكن في هذه الظروف لا مانع من الاستعانة بألبسة البالة أحياناً..
أما عماد طالب جامعي فقال: يجب علينا أن نعترف أن البالة أصبحت واقعاً لأصحاب الدخل المحدود ولأغلبية الشباب التي تستهلك الألبسة بكثرة, فهي الحل والملجأ الوحيد لهم, وبصراحة كنت أرفض فكرة شراء الألبسة من البالة رفضاً قطعياً, لكن بعد أن اشتريت أول مرة اعتدت عليها وأصبحت معظم ألبستي الآن منها.
حماية المستهلك.. لا حماية على أسواق البالة
رغم علم الجميع بخطر شراء الملابس المستعملة والأمراض التي يمكن أن تنتقل من خلالها, إلا أن المواطنين يصرون على شرائها والإقبال عليها, لأنها الباب الوحيد لكساء عوائلهم في ظل ارتفاع أسعار الملابس الجديدة التي باتت البالة بمثابة الحلم للكثير منا.. هذا ما قاله المهندس عدي شبلي مدير حماية المستهلك, ورداً منه على سؤالنا عن سبب منع الحكومة لاستيراد ألبسة البالة وكيفية مراقبة هذا السوق من قبل مديريته قال: قد يكون الهدف هو حماية المنتج الوطني بالدرجة الأولى, أما مراقبة هذه الأسواق فبواقع الحال من الصعب مراقبة أسواق البالة, ولا يوجد رقابة حقيقية على تلك الأسواق, فالأسعار التي تُباع فيها الألبسة والأحذية وغيرها هي أرخص من غيرها, والأمر متروك للعرض والطلب, والبيع يكون بطريقة المفاصلة, فلا يمكن ضبط السوق في هذه الحالة, وخصوصاً أن البضائع يشتريها البائع بالكيلو, ويقوم هو لاحقاً بتقدير سعر كل قطعة على حدة ويبيعها بشكل فردي.
فيما تحدث محمد غسان القلاع رئيس غرفة تجارة دمشق عن أسواق البالة فقال: كان سابقاً يتم الحصول على إجازة استيراد من وزارة الاقتصاد للسماح باستيراد الألبسة المسماة بالبالة، وقد صدر قرار لاحقاً بمنع استيراد هذه الألبسة بسبب الأمراض التي تنقلها، فتم وقف استيرادها، لكن دخولها إلى البلاد بقي مستمراً من عدة منافذ حدودية عبر الدول المجاورة، أما عن سبب منع استيراد هذه الألبسة فأعتقد إنه من الممكن التغلب عليها بوضع عدة شروط، منها شروط صحية كالحصول على شهادة صحية من البلد المصدر لتلك البضاعة، بالإضافة إلى شروط تخص الجودة والنوعية كي لا نعطي فرصة لأحد كي يتلاعب على القانون، وإجبار أصحاب المحال وحتى البسطات على وضع لصاقة معينة على القطعة المعروضة للبيع في أسواق البالة تدل على أنها مستعملة كي لا يقع المواطن في الإشكالات بالدرجة الأولى، ولكي يتسنى لمديرية حماية المستهلك مراقبة هذه الأسواق بشكلٍ فعال ثانياً...
نقطة نظام
قد تبدو أجوبة ضيفينا على صفحات المجلة غير مقنعة، فإذا ما كان الهدف هو حماية المنتج الوطني فكان من الأجدر بهم منع استيراد الألبسة الجديدة الجاهزة لا منع استيراد ألبسة البالة التي باتت ملاذاً لمعظم شرائح المجتمع..فهل ألبسة البالة تضر بالاقتصاد الوطني واستيراد الألبسة الجاهزة تدعمه؟.. ألم تتسبب الألبسة المستوردة بإغلاق العديد من المعامل والمحال؟..أسئلة ستبقى برسم الجهات المعنية، ونعتقد بأنها ستبقى من دون إجابة.