حين تغلق المخارج وتصعب الحلول

حين تغلق المخارج وتصعب الحلول

الأزمنة

السبت، ٣٠ مايو ٢٠١٥

زهير جبور
أصبح المرض في وقتنا الحالي يعكس معاناة لا يستهان بها، تضرب موازين الأسرة السورية الفقيرة، التي هي بطبيعة الحال مضروبة حتى درجة الإنهاك الكلي، وسميناها الموازنات تجاوزاً كوصف يفتش عن معناه، وإذا ما دققنا في أمره فإنه لا يحمل أي معنى، ولا قيمة حسابية، ويمكن اختصاره من الصفر إلى الصفر، وكل المسببات تصب في قهر تلك الأسر، ومسالك عيشها التي ضاقت حتى الاختناق، ليأتي المرض المفاجئ ويزيد الطين بلة كما يقال شعبياً، ومن كثرة البلل تحلل الطين وأصبح سائلاً عكراً، بنياً غامقاً يتسرب إلى الشرايين ويسدها، وينتقل إلى القلوب فيوقفها، والأحاديث كثرت وفي مضمونها أن المصاب سعل عدة سعلات متلاحقة ولم يكن يشتكي من أي شيء كان كالحصان في التشبيه المكرر، لكن وثباته انهارت ومات، لم يصل إلى المستشفى أو وصلها وبداخلها انتهى، هكذا جرى مع أبي بشار الذي داهمه المرض والموت معاً، ولم يشكُ من أي آلام، وما حصل مع الكثير في أحياء (الدعتور) (السكنتوري) (الرمل الجنوبي والآخر الشمالي) ومصادر المشفى الوطني ترصد حالات كهذه ولأعمار مختلفة تبدأ من العشرين أو أقل وتمتد إلى ما فوق وصولاً إلى السن الذي يفقد الجسم قوة مناعته، ليقضي عليه البرد أو الحر، السعلة أو النخرة، وتعددت الأسباب والموت واحد، وهذا ما يدعو إلى دراسة ظاهرة الموت المفاجئ التي كثرت وهي ليست بالغامضة، ويمكن أن نرجعها إلى ظروف المعيشة والقلق والغم والتفكير بالعيش وطرقه المغلقة، وفي السابق كان يحصل مثل هذا، لكن سنوات الأزمة المؤسفة جعلته يشكل قاعدة خاصة بين الأعمار الصغيرة، وإذا ما حاولنا الآن دراسة معدل الوفيات المرضية، وحالات الجلطات الدماغية والقلبية، والتهاب الكبد الوبائي والنزلات الصدرية الحادة فسنجدها مرتفعة جداً ونفتقد إلى مثل هذه الإحصائيات ودقتها، فالجهات المعنية بسبب انشغالها لا تتمكن من فعل ذلك، والظروف لديها متقلبة بين لحظة وأخرى، خاضعة للتصعيد في الأماكن الساخنة التي تشهد قتالاً منذ ثلاث سنوات وأكثر، والمستشفيات بأنواعها تستقبل الجرحى والأفضلية لهم وهذا حقهم الطبيعي، وكثيراً ما يجبرون على إفراغ الأسرة وإجراء الأعمال الإسعافية العاجلة التي تتطلب كل الإمكانيات، وفي مشافي القطاع الخاص الأسعار الخيالية وهي تتطلب أن يبيع المواطن ما فوقه وما تحته، ولا شيء متوافراً منهما، فالسماء في الأعلى والأرض في الأسفل وليس لهما زبوناً للشراء، فماذا يتصرف هذا المسكين؟ وماذا على أسرته أن تعمل كي تؤدي واجبها تجاهه قبل أن يشعر وهو يغادر الحياة أنهم أهملوه. تنكروا له. لم يتصرفوا من أجله حين وقع، وثمة أحاديث متداولة وكثيرة في هذا الشأن.
•    الواقع
إن ما يعانيه الفقراء أكبر بكثير جداً مما يمكن أن نلخصه في موضوع يحاول الدخول في نبض الشارع المعدم، وقد فقد معظم مقومات الحياة وضمانة استمراريتها، ولا بد أن الدواء من الضروريات خاصة للذين يعانون من الأمراض المزمنة، وفي التصريحات الصحية أن سعر الدواء في بلادنا منخفض عن دول الجوار بنسب متفاوتة، وحسب رأيهم أنه مؤمن للجميع كما تشير التقارير المتداولة، وإذا ما تمت مقارنة أسعار الدواء بعد الارتفاعات المتتالية عليه وكان من المفترض حمايته وتحصينه وتحمل أسعار المواد الأولية المستوردة لتصنيعه، والصحة تعني الحكومة كما هو الطعام والشراب، وإذا ما فقد المجتمع سلامة أفراده فهذا ينعكس سلباً على كل الجوانب ويؤثر في الإنتاجية ويعيق الاستمرارية الحياتية التي عليها أن تصمد وتقاوم وتقدم التضحيات وهي غير مقصرة في ذلك، يتحمل العبء الأكبر منها أولاد الفقراء الذين نودعهم شهداء.
تقول أم علاء وهي التي كانت تكتفي قبل الأزمة بمبلغ ألف ليرة سورية لشراء أدويتها بين الضغط والسكر، إن هذه الألف وصلت الآن إلى ثلاثة آلاف، وفي حال تواجد الدواء ولم تجبر على استشارة الطبيب لتغييره وهي تعيش من مرتب زوجها التقاعدي ومقداره /12000/ ل.س بعد الزيادات التي طرأت عليه، ماذا يعمل هذا المبلغ تتساءل بطفولية كاملة، وحزن ترتسم ملامحه على وجهها الذي حفر فيه الزمن أخاديده العميقة، وتختم (الموت أرحم) وما كنت أرغب في كل حياتي أن أسمع المواطن السوري الكريم. الشهم. يطلب الموت رحمة من عذاب العيش وفي ذلك ما يبعث في النفس الأسى ويعصرها ألماً، ووصلت المتاجرة بالدواء إلى حدّ البشاعة ونسف الإنسانية والاستغلال التجاري المقيت، وليس من فرق بين مهنة السمانة والصيدلية، وفي الشهرين الماضيين أحيل بعض الصيادلة إلى القضاء للتحقيق في شكاوى قدمت بحقهم من قبل مواطنين تعرضوا لأذيتهم.
•    ماذا يقولون؟
حين سؤالنا الصيادلة عن حقيقة المساس بقدسية المهنة وتدنيس قيمها وصلتنا أجوبة مختلفة منهم من أنكر معرفته بالموضوع أو أن ثمة زميلاً صيدلياً قد أحيل إلى القضاء، لكن بعضهم أجاب بثقة نعم هناك صيادلة أساؤوا للمهنة وخرجوا عن تقاليدها وقيمها، ومنهم من يستغل مرضى السرطان وقد ارتفع سعر الجرعة إلى مبلغ خيالي، ومنهم من يهرب الدواء ويدخله من دون التأكد من مواصفاته وسلامته، والمريض المضطر يفتش عنه بعيداً عن مصدره وشروط إنتاجه، ولا ننسى أن التهريب يتم بطريق البحر أو البر، وفي جوارنا مراكز تصنيع خارجة عن قانون دولها تنفذ عملها سراً، ولديهم عملاء ينشرون المصنّع ويسهلون تهريبه، والخطر يكمن في مثل هذه الأدوية التي تتسرب إلى أسواقنا وتباع لأبناء شعبنا، وبالمناسبة فإن الدواء السوري كان قبل الأزمة يصنع بمواصفات معقولة وبعدها فقدت الكثير من الأدوية تلك المواصفات.
تحدثت مواطنة أنها تعالج ابنها من السعلة وارتفاع الحرارة منذ أكثر من شهرين، تراجع الطبيب فيصف لها الدواء تتوقف السعلة مؤقتاً وتنخفض الحرارة ثم تعود مرة أخرى، أجرت كافة التحليلات التي طلبت، لم يظهر فيها أي مرض وبقي الطفل على حاله، هذا الأمر جعلني أبيع خاتم زواجي كي أنفق ثمنه على الدواء.
يجد بعض الصيادلة أن ربحهم كحد وسطي في الدواء يصل إلى 15% ويقسمون أن عبوة ثمنها /500/ ل.س يحق لهم الربح فيها 7% وكلما ارتفع السعر قل الربح، والمنافسة بين شركات الإنتاج السورية أوقفتها الأحداث، وأن بعضها يعمل لكن ليس بطاقته الإنتاجية الكاملة، وهكذا فمشكلة المرض وعلاجه وما يحيط بها من هموم ومعاناة تستحق التوقف عندها، وفي علم الاجتماع الصحي ينبغي أن تدرس وترتبط الدراسة بعلم النفس والتخفيف من صدمة الحدث تؤدي نتائجها البعيدة ويمكن لها أن تخفف من حدة الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر.
المزيد من العناية والاهتمام والحرص لا بد له أن يثمر الإنقاذ ولا بد أن الذي له العمر لن تنهيه الشدة وهو الاستسلام الغيبي نجده منفذاً حين تغلق المخارج وفي ظرفنا الحالي ما أكثرها من إغلاقات وما أصعبها من حلول ولتكن الإرادة هي الفتح والحل والانتصار.