في الريف المعاناة الضاغطة واليوم المهني

في الريف المعاناة الضاغطة واليوم المهني

الأزمنة

السبت، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٤

زهير جبور
صدقت توقعات الاستشعار عن بعد التي نشرت في عدد سابق من مجلة الأزمنة.. ومفادها أنّ الطبيعة أرحم من الإنسان ولا شيء يخيف في موضوع الجفاف، تغيرت الأحوال فعلاً لتشهد اللاذقية الأسبوع الماضي هطولاً مطرياً غزيراً، وصواعق، ورعوداً، يقول أبناء الريف إنّهم لم يعرفوها منذ سنوات طويلة، حيث البروق الشديدة جداً، التي أنارت خطفاً سماء ظلامهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي عنهم، لكن الفرحة عمّت قلوبهم فهاهي بعض الينابيع التي كانت جافة تعود لتدفقها بألحانها التي غابت، والأنهار لجريانها ولو بنسبة قليلة في انتظار موسم شتوي قاسٍ وممطر، ومثلج لأنّ البرد حلّ فجأة دون استعدادات مسبقة، وبطبيعة الحال إن وجدت لن يكون لها أية فائدة تذكر، فلا وجود لمازوت، ولا كاز، ولا غاز، واللجوء إلى الحطب هو أفضل الحلول، وماذا سيتحمل هذا السنديان الذي قطع صيفاً لاستخراج فحم النراجيل، ويقطع شتاء للتدفئة، ولا بأس أن يعلن الاستشعار أن الطبيعة أرحم من الإنسان عليه، وشكراً للأستاذ المهندس علي عيسى مدير فرعها في اللاذقية الذي يحرص من خلال تعاوننا المشترك على تقديم المعلومات الصحيحة. الصادقة. العلمية. المدروسة من قبلهم بدقة.
•    هذا الفرح
حملت إلينا الطبيعة فرحة الخصب والعطاء، التي ساعدتنا قليلاً على الخروج بعض الشيء من حزن كبير يحمله كل مواطن سوري في نفسه، فجرح الوطن الهم الأول، وما يجري فيه يشغلهم ويقلقهم، وفي قراهم يودّعون الشهداء بعرس للتضحية ويؤكدون على استمرارية الحياة برغم بؤسها وقلتها، لكنها إرادة الإيمان التي تصبرهم على كل مصيبة، هو ما وجدناه ونجده من إصرار مع كل زيارة لهذا الريف الذي يعاني ما يعانيه من شح في الخدمات إلى طرق محفرة غابت عنها الصيانة ومدارس تحتاج لمستلزماتها إلى مواصلات لوصول أساتذتها إليها، وبلديات حسب رأيهم موازناتها لا تحركها وتبقيها مشلولة، والموازنة قد أقرت من قبل مجلس الشعب للعام 2015 وهي لم تقدم جديداً فيما يخص النهوض بتلك البلديات المنسية إلى حد ما، وهذا الفرح الذي حملته الطبيعة سوف ينعكس إيجابياً على الزراعة في القادم من الموسم، لكن مشكلة التسويق والتوزيع واحتكار التجار وغلاء المواد الزراعية تواجههم كيفما اتجهوا، وحسب رأيهم لم يسمعوا إلا الوعود، والتصريحات الإعلامية، وبروظة للمسؤولين على شاشاتنا والأمر عكس ما هو تماماً على أرض الواقع فلا حل لمشكلاتهم، ولا إنصاف لجهدهم وتعبهم، وهم يزدادون عوزاً وفقراً وقهراً.
•    وهي مناسبة
من المعروف أنّ ريف اللاذقية يمتد من مدينة بانياس ليتداخل في بعض مواقعه مع خارطة ريف طرطوس وحماة وصولاً إلى كسب عبر جبال سلسلة الساحل السوري، المنتهية شرقاً على إطلالة سهل الغاب في ارتفاعات مختلفة عن سطح البحر تنتهي في بعض الأماكن إلى 1250م والبرد هناك يشق المسمار كما يقال شعبياً، وثمة صعوبة في التنقل، وخطورة أيضاً، وأي رعونة يرتكبها سائق ما ستودي بحياة ركابه، ولن ينقذ منهم إلا كل طويل عمر. سمعنا من المعلمين والمعلمات الذين أمضوا عدة سنوات في مدارسهم ولم ينقلوا، أو من عينوا حديثاً وهم خريجو كلية التربية، وشكوى تتعلق بتأمين وسائط النقل، ومنذ الساعات الأولى لالتحاقهم بالعمل فيما يخص الجدد واجهتهم تلك الخيبة التي خففت من حماستهم ودفعتهم للتأفف والضجر، ويجب أن لا ننسى الدور النفسي الذي يلعبه هذا الشعور وما يخلفه من تراجع في العطاء المدرسي، وخاصة أنّ العملية المذكورة تتطلب راحة نفسية للأستاذ كي تنعكس على ذهنية الطالب، وتحثه على المثابرة والاجتهاد، فشكلت مسألة الانتظار الطويل في محطة (السرفيس) أول عنصر من تكوين الصدمة، يقولون توقفت (السرافيس) عن العمل بسبب فقدان مادة المازوت.
•    لماذا توقفت؟
 نحن نقف خارج محطة الوقود ننتظر دورنا لنصل إلى المضخة بعد 5 أو 6 ساعات- هذا ما يقوله السائقون- أصبحنا نحضر معنا طعامنا وعدة (المتة) ونجلس بعضنا يغفو على الأرض، وجاء ارتفاع سعر الليتر عبئاً ثقيلاً، انعكس على كاهل الركاب جميعهم من موظفين وطلاب جامعة ومعلمين، وكل من تفرض عليه ظروفه أن يغادر بلدته صباحاً ويعود إليها بعد الدوام وبالعكس. فماذا نعمل؟ ومقارنة صغيرة بين دخل السرفيس واستهلاكه من وقود وزيوت واهتراء عجلات ومصاريف منزلية وإرهاق جسدي خاصة ونحن نسلك الطرق ذات المنعطفات الخطرة والضيقة، كل هذه الأسباب مجتمعة تجعلنا نمقت المهنة، ونرفضها، لكنها الظروف تجبرنا عليها، هو لسان حال السائقين، وفيه بعض الحقيقة، وهو ما يجعلهم يرفعون التسعيرة كما يقدرون هم وليس الجهة المختصة.
•    بالمقابل
تدفع ناريمان المعلمة في إحدى قرى ناحية المزيرعة مبلغ 300 ل.س للذهاب والإياب، فيما مضى كانت 50 ل.س، وداخل المدينة يترتب عليها للوصول إلى كراج السرافيس مبلغٌ آخر وفي حال تأخر باص النقل الداخلي تجبر أن تأخذ تكسي عامة بمبلغ 150 ل.س ومرتبها الشهري 17000 ل.س بعد خدمة ثلاث سنوات، تتساءل ماذا تبقى لي من المرتب؟ وهل يمكنني الباقي من شراء قطعة ثياب أو من تناول سندويشة أثناء شعوري بالجوع؟ وإذا فاتني موعد السرفيس الذي يتقاطع مع توفر المازوت، والانتظار في محطة الوقود، فسوف أجبر على أخذ تكسي عامة بكلفة 1000ل.س وثمة من يحاسبنا على الغياب ولا يقدر الظروف، أليست هذه معاناة نتحملها؟ وهي التي حدثنا عنها طلبة جامعة تشرين والموظفون في المدينة، والقادمون من مدن المحافظة الأخرى جبلة. القرداحة. الحفة. والكثيرون منهم يضطرون للانتقال إلى سرفيس آخر يقلهم حيث قراهم، وهذا ما يتطلب ساعات طويلة يمضونها على الطريق، والعملية مكررة باستثناء أيام العطل أليست هذه معاناة حقيقية قائمة؟ لا يشعر بها إلا من يواجهونها ويتحملون مشقاتها وهم مجبرون على القيام بالفعل الذي يهد من قواهم الجسدية ويدفعهم للنوم المبكر جداً حالمين بصعوبات اليوم الذي يليه، ويا له من كابوس نفسي.
•    الحلول
فعلاً ما هي الحلول؟ والموضوع لا ينتهي عند ذلك الانتظار الذي يطول داخل المدينة على مواقف باصات النقل الداخلي، وحالة الازدحام التي تشهدها ساعات الذروة الصباحية وما بعد الظهر إلى جانب المرور الذي يكون في أوج اكتظاظه، والسيد وزير النقل المهندس غزوان خير بك يعرف هذا الواقع جيداً منذ أن كان مديراً للنقل الداخلي في اللاذقية، يومذاك كانت الحركة أسهل، وعدد سكان المحافظة أقل بكثير، وقد تضاعف اليوم، وأصبح حسب التقديرات 2مليون وثلاثمائة ألف نسمة مع الأخوة الوافدين الذين يقيمون في المحافظة بشكل عام والمخصصات المطلوبة من غذاء وخبز ووقود وأدوية ونقل وخدمات تتطلب مضاعفة أعدادها، هذا يحدث لكنه بشكل مقنن جداً لا يسد الحاجة، ونحن لا نشك أن السيد الوزير يقدرها وهو بصورتها جيداً، ولن يقصر حتماً حسب معرفتنا به في تقديم كل الجهد والعمل لسد مواقع الخلل أينما وجدت في بلادنا والتخفيف من الأعباء التي يتحملها أبناء الشعب ويكفيهم ما فيهم.
معاناة فوق معاناة، وأبناء الوطن صابرون صبر أيوب الذي ابتلي مسلماً أمره للخالق عبر مفهوم (وما بعد الصبر إلا الفرج) وسوف تفرج في انتصار سورية لتخرج من أزمتها، وكما عادت الطبيعة إلى فرح العطاء والخير.. ستعود سورية إلى عطائها وخيرها وفرحها القديم.