تراجع تربية النحل في درعا ينذر بكارثة بيئية ومعيشية للمربين..! الظروف منعت المربين من التنقل بين المحافظات..!

تراجع تربية النحل في درعا ينذر بكارثة بيئية ومعيشية للمربين..! الظروف منعت المربين من التنقل بين المحافظات..!

الأزمنة

الأحد، ٣١ يناير ٢٠١٦

محمد العمر
تلعب تربية النحل في محافظة درعا دوراً مهماً في تأمين فرص عمل ومردود اقتصادي للكثير من المربين والعاملين في صناعة وتجارة مادة العسل فضلاً عن أهميتها في توفير حاجة السوق من أصناف العسل المختلفة. وأسهمت الظروف المناخية المناسبة وتنوع الغطاء النباتي والمحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة والحراجية في مختلف مناطق المحافظة وتوافر المراعي الجيدة على مدار العام في تطوير تربية النحل وانتشارها على نطاق واسع.

 مصدر دخل مهم.. ولكن..!
يسعى بعض النحّالين وتجار العسل في المحافظة جاهدين إلى الاستمرار في تربية النحل والاهتمام به ومحاولة توسعة ذلك ليشمل مناطق جديدة, على الرغم من المعوقات التي تحول دون ذلك. وكانت تعتبر مهنة تربية النحل من أبرز المِهن التي كان يعتمد عليها سكّان بعض القرى بريف درعا الغربي لتأمين مصدر دخلٍ لهم، إلا أن ذلك تراجع بشكلٍ كبير بسبب ما تشهده معظم المناطق بدرعا من ظروف لا تسمح لهم بالتنقل، إضافة إلى الأفعال السلبية التي يقوم بها البعض والتي تؤثّر على تجميع النحل وإنتاج العسل.
ويروي عدنان الشنوري من طفس أحد أبرز النحّالين في مدينة درعا، أنه من أبرز أسباب تراجع تربية النحل في المحافظة هو قطع أشجار الكينا بمساحة تُقدّر بأكبر من 20 ألف دونم منها، من قبل الأهالي بهدف التدفئة، إضافة إلى عدم اهتمام المزارعين مؤخّراً بزرع بعض الأصناف التي من شأنها تغذية النحلة وزيادة إنتاجها للعسل، مثل “اليانسون وحبّة البركة” . وأوضح الشنوري أن محافظة درعا كانت تحوي عشرات آلاف خلايا النحل إلا أنها تراجعت منذ العامين الماضيين لتصبح عشرات الخلايا في مناطق متفرقة من المحافظة. وحذّر من أن ذلك قد يؤدي إلى حدوث كارثة بيئية وكارثة لعدد كبير من المزارعين نظراً لاعتمادهم على تربية النحل في تأمين مصدر دخلٍ لهم, وهذا ما أثّر على أسعار العسل في الأسواق حيث ارتفعت إلى أكثر من النصف بمبلغ يُقدّر بحوالي 5000 ليرة سورية للكيلو الواحد.
وقال عمر الجاموس من داعل: إن العمل بتربية النحل انتشر كثيراً في محافظة درعا وريفها في السنوات العشر الأخيرة إلا أن الظروف الاخيرة حالت دون انتشاره ما شكل خطراً على تواجدها، والامر الذي ادى الى ضعف في فرص العمل وسوء الأحوال المعيشية، بعدما وجد الأهالي في تربية النحل وسيلة للعيش وتأمين الدخل، وكان النحل يعطي دخلاً مادياً متوسطاً وبتكلفة بسيطة.
 
التكلفة ارتفعت...!
أما التكلفة لتربية النحل فارتفعت حسب كلام الجاموس، فتربية النحل سابقاً كانت تحتاج الكثير من العمل والوقت، ولكنها اليوم مكلفة وباهظة وتحتاج الى تحسن الظروف للعمل، إذ يحتاج النحل إلى التنقل من مرعى لآخر حسب مواسم النباتات المزهرة، والتنقل بين المحافظات من قرى درعا إلى القنيطرة وريف دمشق، وكذلك إلى الساحل السوري في موسم الحمضيات، ومن ثم إلى حلب والحسكة في أقصى الشمال في موسم القطن. لكن اليوم ومنذ عامين تقريباً لم يعد أحد من مربي النحل يقوم بنقل النحل من مرعى لآخر، فهم باتوا يعتمدون على إطعام النحل بوضع السكر قطراً، من أجل إنتاج العسل وبيعه للاستفادة من ثمنه في قضاء حاجيات المواطن وأسرته. قائلاً: إن سعر الخلية يقدر بحوالي 30 ألف ليرة سورية، بينما يقدر سعر التقسيمة أو الطرد بين 7 إلى 10 آلاف ليرة سورية، في حين تتراوح أسعار العسل للكيلو الواحد بين 4000 حتى 6000 ليرة سورية، وذلك حسب نوع العسل. فالجدير بالذكر أن العسل الذي كان ينتجه النحل سابقاً من خلال الحمضيات والقطن وحبة البركة، يعتبر أكثر فائدة من العسل الذي ينتجه النحل من إطعامه السكر من أجل إنتاجه، ولكن ظروف الحرب، منعت مربي النحل من التنقل بين المحافظات.
 
تراجع خلايا النحل
 
رئيس قسم الشؤون الاقتصادية في مديرية زراعة درعا اوضح أن عدد خلايا النحل في المحافظة يبلغ نحو 49 ألفا و500 خلية انتجت خلال عام 2012م 158 طنا من العسل مبينا أن الخلايا تراجعت عن السابق تبعاً لظروف المحيطة وعدم قدرة المربي على التنقل من مكان لآخر، اذ تنتشر في مختلف أنحاء المحافظة وخاصة على ضفاف وادي اليرموك ومناطق جملة وتسيل ونوى وتل شهاب والعجمي والاشعري والصنمين وازرع وغيرها،  وبين أنه نتيجة الأزمة الراهنة وفقدان عدد من طوائف النحل وانتشار بعض الآفات والأمراض وصعوبة التنقل بين المراعي انخفض إنتاج العسل العام الماضي إلى الربع ما عزا بوزارتي الزراعة والإصلاح الزراعي والاقتصاد والتجارة الخارجية إلى الموافقة على استيراد العسل لسد حاجة السوق المحلية وخاصة في مجال الصناعات الغذائية والتجميلية والدوائية، في حين انحصر الإنتاج المحلي بالاستهلاك، كما ان وزارة الزراعة قامت باستيراد حوالي 100 طن من العسل و50 طناً من غبار الطلع والغذاء الملكي العام الماضي إضافة إلى استيراد ملكات النحل المحسنة وبعض طرود النحل مشيراً إلى أن الجمعية تسعى إلى الاكتفاء الذاتي من العسل حالياً وتخفيض الاستيراد باختيار ملكات محسنة تناسب البيئة السورية. مشيراً إلى تشجيع الصناعات المحلية التي تستخدم مادة العسل في منتجاتها الغذائية والدوائية والتجميلية إذ إن هناك العديد من الشركات الوطنية المتخصصة تستخدم العسل وغبار الطلع والغذاء الملكي والعكبر في صناعة الشامبو والكريمات والسكاكر والتي لاقت رواجاً لكونها منتجا طبيعياً. 
وحول التسهيلات التي تقدم لتشجيع تربية النحل وتوسيع نطاق هذه المهنة بين رئيس شعبة النحل في مديرية زراعة المحافظة أن المديرية تقدم كافة التسهيلات اللازمة من خلال المراقبة الدورية للخلايا وتقديم كل الاستشارات الفنية والطبية والزراعية الضرورية للمربين ومساعدتهم في حماية النحل من الأمراض التي تصيبه إضافة إلى إجراء عمليات المكافحة المستمرة لها وإقامة الندوات والمحاضرات العلمية وإصدار البروشورات والملصقات الارشادية حول طرق وأساليب تربية النحل والتعريف بأهم الأمراض التي تصيبه وكيفية الوقاية منها.
من جانبها دائرة الارشاد الزراعي بمديرية زراعة درعا بينت أن المديرية تنفذ برنامجا إرشاديا شاملا للنحل يهدف إلى تحديد أهم المشكلات الزراعية والفنية التي تعترض واقع تربية النحل  حالياً بعد التراجع الواضح، بما يسهم في وضع الأهداف والبرامج الإرشادية الكفيلة بتجاوز هذه المشكلات من خلال اعتماد التقنيات الحديثة واتباع شروط التربية السليمة موضحة أن البرنامج يتضمن توزيع النشرات الارشادية وتنفيذ وإقامة دورات تدريبية وأيام حقلية وبيانات عملية و ندوات إرشادية ولقاءات فلاحية مع المربين لتدريبهم على أهم الطرق والأساليب العلمية والعملية الناجحة في تربية ورعاية النحل في ظل هذه الظروف...  وأشارت إلى ضرورة اتباع جملة من النشاطات والاعمال التي تسهم في تطوير واقع تربية النحل وزيادة انتاجها من مادة العسل تتمثل بعدم إجراء عمليات الرش العشوائي للمبيدات الزراعية والكيميائية في أماكن انتشار النحل وقيام الاختصاصيين بالكشف الطبي المستمر على خلايا وطوائف النحل واعتماد نظام دوائي مناسب لمكافحة أهم الامراض والآفات التي تصيب النحل والتركيز على استخدام أدوية المكافحة ومعالجة الامراض بنسب وكميات محددة إضافة إلى إنشاء مظلات صيفية لوقاية طوائف النحل من أشعة الشمس وفتح سجلات خاصة لتتبع الاجراءات الزراعية والفنية المتعلقة بتربية الخلايا.
 
أهمية غذائية.. فقدت..!
وعن الأهمية الغذائية والطبية للعسل يقول المهندس أيمن المصري اختصاصي تغذية: إن مادة العسل تتميز بقيمتها الغذائية العالية فهي تحتوي على السكريات و الفيتامينات والأملاح وغيرها مبيناً أن العسل يسهم في معالجة بعض الحالات المرضية كالتهاب المفاصل والكبد والقولون وارتفاع الكولسترول كما يفيد في حالات فقر الدم والضعف العام وأمراض القلب والأوعية الدموية، لكن بعد ارتفاع عبوة العسل في السنوات الأخيرة لم يعد بإمكان المواطن شراؤه ما حرم من قيمة غذائية ليست بسيطة بعد ان صارت الامور المعيشية الاساسية هي الاولى .. ويكرر المصري: إن معاناة العديد من المربين من الظروف التي اوصلت إنتاج النحل الى هذا الحد، خاصة فيما يتعلق بإجراء عمليات نقل الخلايا إلى المحافظات الأخرى نتيجة الظروف من جهة. وعدم توافر مراع دائمة وبالتالي زيادة تكاليف الانتاج عن قبل وانخفاض بعض أصناف مادة العسل نتيجة لعدم وجود أسواق خارجية لتصريف الإنتاج إضافة إلى غلاء أسعار الأدوية المستخدمة في مكافحة الأمراض مشيرا إلى ضرورة تشميل النحل في صندوق الدعم الزراعي أسوة بالدواجن والمحاصيل الزراعية.
يُذكر أن محافظة درعا كانت تشتهر في تربية النحل وإنتاج العسل وتوزيعه على المحافظات السورية وبأصناف متميّزة تزيد على 40 صنفاً.