"الكهرباء" ضحية ومتهمة معاً.. لكن لمَ زيادة التقنين!!سددي ياحكومة ثمن الكهرباء..

الأزمنة

السبت، ٥ ديسمبر ٢٠١٥

الأزمنة – مجد سليم عبيسي
بات عمل وزارة الكهرباء هذه الأيام -كما نسمع- هو حماية المنشآت الكهربائية وإصلاح الأضرار بالتوازي مع صعوبة تأمين الوقود لتشغيل محطات التوليد الكهربائية حيث لم يعُد متاحاً بالكميات نفسها التي كانت متوافرة قبل الأزمة.. ولكن هل الكهرباء ضحية لهذه الدرجة وهل يجب دائماً أن نسوغ لها المبررات؟!
 
سارقون مدعومون:
ذكرت إحدى الصحف المحلية في سورية بأن الدعم المقدم لقطاع الكهرباء يصل إلى نحو 300 مليار ليرة سورية سنوياً، فالتكلفة الحقيقية للكيلوواط الساعي تصل إلى 40 ليرة ويباع وسطياً للاستهلاك المنزلي بين 50 قرشاً و2 ليرة لأكثر من 80% من المواطنين.
وذكرت الصحيفة أيضاً أن التقنين المتبع لدى إدارة الكهرباء إنما تلجأ إليه مضطرة، نظراً لانعكاساته الفنية السلبية على المنظومة الكهربائية بمختلف مكوّناتها ومراحلها، ولكن ما يستنزف المنظومة الكهربائية حقاً هو الاستجرار غير المشروع لكونه ليس فقط استنزافاً للمال العام، بل أيضاً تخريب للشبكة، لذلك فإن حساب ثمن الكهرباء المسروقة التي أعلنت عنها "وزارة الكهرباء" منذ بداية هذا العام إن لم نحسب السعر المدعوم أي 40 ليرة سورية للكيلو واط ساعي تقدر بثلاثة مليارات و360 مليون ليرة!! وهي عن كمية استجرار قدرت بنحو 84 مليون ك.و.سا حصيلة 20500 ضبط فقط.
 
سددي يا حكومة ثمن الكهرباء:
رقم كبير هو دين القطاع الحكومي، إذ بلغ أكثر من 54.7 مليار ليرة سورية ديون جهات القطاع العام لوزارة الكهرباء لقاء استجرار الطاقة!! رقم ليس بقليل في ظل حاجة الوزارة لكل فلس لإنشاء محطات جديدة وإصلاح المعطل منها.
وقد تصدرت قائمة المدينين وزارة الموارد المائية -بحسب جدول لديون الوزارة- حيث تأتي الموارد المائية في الصدارة لتخلفها عن سداد فواتير الكهرباء بمبلغ إجمالي 24.6 مليار ليرة، ثم تلتها وزارة الإدارة المحلية بـ9.6 مليارات ليرة، ثم الأوقاف بـ2.4 مليار ليرة ثم الصناعة بواقع 1.6 مليار ليرة ثم التعليم العالي 1.5 مليار ليرة، وبعدها سجلت ديون معظم الوزارات أقل من مليار ليرة لكل واحدة، حتى وزارة البيئة التي جاءت في نهاية قائمة الوزارات المدينة للكهرباء بواقع 6.2 ملايين ليرة.
في حال نظرنا للتحصيلات الخاصة "بوزارة الكهرباء" فقد بلغ نحو 37 مليار ليرة سورية فقط خلال 2014 للقطاعين العام والخاص وبلغت نسب التحصيل للقطاع العام 20% وللقطاع الخاص 45%، أي إن نسبة التحصيلات ليست كاملة بل يوجد انخفاض كبير فيها.
وعن إجراءات الوزارة لتحصيل ديونها فقد وجهت الشركات العامة للكهرباء في المحافظات للعمل على متابعة تحصيل الديون من جميع جهات القطاع العام، ومخاطبة المحافظين من أجل المساعدة، والمباشرة الفورية بقطع التيار الكهربائي عن جهات القطاع العام المتخلفة عن تسديد قيمة الاستجرار المترتبة عليها، وغيرها من الإجراءات..
 
تلويح غريب بزيادة تقنين!!
في تصريح ناري وبعيد عن الإحساس بالمواطن وفيه ظلم له لمدير المؤسسة العامة لنقل الكهرباء "نصوح سمسمية"، أوضح أن هناك دراسة لزيادة ساعات التقنين الكهربائي و"خاصة" مع دخول فصل الشتاء.
أوضح في تصريحه أن هذا الإجراء سببه زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية لأغراض التدفئة، وخاصة في ظل صعوبة حصول المواطنين على المازوت بالنسبة للأرياف والمناطق الباردة، مشيراً إلى احتمال حصول أزمة كهرباء حقيقية خلال فصل الشتاء، في حال لم يتم إحداث توليد إضافي للكهرباء.
تصريح المدير يعني أن المواطن بات محاصراً.. لا مازوت ولا كهرباء، وليمت من البرد فهذا ليس من شأن أي مسؤول!! والشرط المذكور.. "إذا لم يتم إحداث توليد إضافي للكهرباء".. ليس من شأن المواطن أبداً توليد الكهرباء!!
وتابع أيضاً:
إن كميات الوقود الواردة إلى محطات الكهرباء غير كافية، وخاصة بالنسبة لمحطات الغاز الخاصة بالمنطقة الجنوبية، حيث إن خط الغاز المغذي لها والمتواجد في منطقة الحسية بالقرب من القريتين خارج عن الخدمة منذ نحو 4 أشهر.. لأنه يقع في منطقة ساخنة..
وأشار إلى أن تغذية المنطقة الجنوبية تتم عبر المنطقة الوسطى، ما يؤدي إلى خسائر إضافية بالنسبة للفاقد الكهربائي، حيث يتم تخصيص نصف الكمية للمنطقة الوسطى والمنطقة الساحلية، في حين يتم تخصيص نصف الكمية الأخرى للمنطقة الجنوبية..
متاهة هي التي دخلنا بها في التصريح الكهربائي هذا، لكن النتيجة زيادة تقنين.. وكلما زادت حاجتكم أيضاً للكهرباء.. زاد التقنين.
 
تضاد تصريحات بين النفط والكهرباء!!
أشار سمسمية إلى أن كميات الوقود الواردة إلى محطات الكهرباء غير كافية.. ولكن في وقت قريب أكد مصدر في وزارة النفط والثروة المعدنية أن مخازين مادة الفيول جيدة وتتوافر كميات وفيرة منها.
وأضاف المصدر: إنه يمكن لأي جهة عامة أن تحصل على الكمية المطلوبة من خلال التنسيق مع شركة محروقات للحصول على حاجتها من المادة وبالأسعار المحددة من قبل الوزارة لافتاً إلى أن الوزارة لديها مخازين جيدة من الفيول، وهي مستمرة في تأمين حاجة محطات توليد الطاقة الكهربائية وتعزز من مخازينها، كذلك تلبي احتياجات جهات القطاعين العام والخاص على حد سواء.
وأشار المصدر إلى تقصير بعض الجهات في التنسيق مع شركة محروقات للحصول على الكميات التي تحتاجها، وهذا الأمر ليس من مسؤولية وزارة النفط أو شركة محروقات، فوزارة النفط تمارس دورها ومسؤولياتها في تأمين الوقود لجميع القطاعات.
بعد هذين التصريحين يبدو أن المواطن الذي لا يجد المحروقات ولا الكهرباء هو الكاذب وحده!.
 
أرنب الكهرباء نائم عن الريح والشمس:
كان حريّاً بالكهرباء بدلاً من اكتشاف الذرائع لزيادة ساعات التقنين واستحضار الحجج عن قلة الفيول والغاز، كانت هناك طوال السنوات السابقة بدائل طبيعية ونظيفة لتوليد الطاقة، ولكن التقاعس الوزاري المتراكم جيلاً بعد جيل حال من دون خطوة كهذه سبقنا إليها دول كثيرة..
 
فبعد أن نامت وزارة الكهرباء سنوات وسنوات وجدت نفسها مضطرّة إلى تشغيل مجموعاتها بالاعتماد على /15/ ألف طن مكافئ نفطي يومياً -بشكل وسطي- في الوقت الذي كانت تستخدم فيه حوالي /35/ ألف طن.
ما جعل حوالي /34/ مجموعة توليد تتوقف عن الخدمة من أصل /54/ مجموعة جاهزة في المنظومة الكهربائية للإنتاج في حال توافر الوقود.
غفلة الوزارة المذكورة عن تأمين موارد الطاقة النظيفة لسنوات جعل منعكساتها تظهر في سني الأزمة على أداء الوزارة وخدماتها، وامتعاض عام من سياساتها غير المتوازنة أو العادلة في توزيع الناتج الكهربائي وعدم القدرة على سد النقص الحاصل.
دراسات ضائعة أجرتها وزارة الكهرباء حول الطاقة الريحية الكامنة في القطر والتي تقدر بـ 85000 ميغا واط، لم تستثمر..
مناطق واعدة في القطر تم تسجيل متوسط سرعات الرياح فيها لمدة سنتين عبر 14 محطة رصد جوية مركبة في عدة مناطق، بناءً عليها نشر المركز الوطني لبحوث الطاقة في سورية خريطة تبيّن الأماكن الأكثر ملاءمة لتركيب العنفات الريحية.. ولكن ماذا حدث طوال تلك السنوات؟!
استخدمت طاقة الرياح في عدة مناطق من القطر العربي السوري لغرض وحيد وهو ضخ المياه، حيث تمّ تركيب حوالي 4000 عنفة ريحية في مناطق القلمون وحمص وغيرها، أما استخدام العنفات الريحية لأغراض توليد الطاقة الكهربائية فهي شبه معدومة في القطر العربي السوري. اللهم إلا تركيب عنفة ريحية باستطاعة 150 كيلو واط مربوطة مع الشبكة في منطقة القنيطرة، إضافة إلى بعض العنفات الصغيرة المصنعة محلياً والموجودة في الأسواق.
مع العلم أن طاقة الرياح تعد المصدر الأسرع نمواً في العالم، فالاستطاعة العالمية المولدة من الرياح تضاعفت أربع مرات خلال ست سنوات بعد عام 2000. وكان نصيب الولايات المتحدة الأميريكية وأوروبا من هذا النمو 81%. إذ أكبر استطاعة مركبة للعنفات الريحية في ألمانيا والولايات المتحدة الأميرية وإسبانيا والهند والصين.. ونحن رغم المواءمة الكبيرة والمساحات الجاهزة في "القنيطرة ودرعا وحمص وريف دمشق وإدلب والرقة" إلا أننا لم نحرك ساكناً في هذا القطاع !!
وقطاع الطاقة الشمسية لا يقل أهمية عن الريحي، إذ إن البادية السورية من أغرى مناطق العالم لإقامة مزارع شمسية لتوليد الطاقة الكهربائية.. ولكن!!
للتذكير فقط، الدكتور فريد أبو حامد الأستاذ في جامعة دمشق أشار خلال المؤتمر السوري الفرنسي للطاقات المتجددة منذ عدة سنوات إلى ضرورة تصحيح الخارطة الريحية وخرائط شدة الإشعاع الشمسي في سورية وإدخال مفهوم الجزر الريحية للمناطق الواعدة بالرياح مثل حمص والقنيطرة وتعميم استخدام المزارع الشمسية بالاستفادة من المساحات الواسعة في البادية السورية.
على أمل أن يكون لدينا مشاريع كبيرة جداً في هذا المجال، ولكن حتى اليوم لم نستفد من مساحات البادية ولا من الفتحات الريحية.
 
استبشروا.. فالطاقات المتجددة بحلول 2030 بإذن المولى:
خطة عمل الوزارة (الاستراتيجية) للمرحلة القادمة تتطلب توظيف استثمارات ضخمة، والقطاع الخاص على ما يبدو يساهم بنسبة كبيرة منها "حسبما بيّن مصدر في وزارة الكهرباء" وتتضمّن الخطة عدة محاور تشمل توسيع قدرات توليد ونقل وتوزيع المنظومة، وتطوير التشريعات والأنظمة.
في وقت تتابع فيه الوزارة مشاريع الطاقات المتجدّدة للوصول إلى نسبة مساهمة بحدود 20% من مجمل الطاقة المنتجة بحلول عام 2030، بالتوازي مع العقود المبرمة لتوريد التجهيزات اللازمة لشبكات النقل والتوزيع بتمويل محلي عن طريق خط التسهيل الائتماني الإيراني.
وأشار المصدر إلى دعوة الوزارة القطاع الخاص للقاء المعنيين في الكهرباء والاطلاع على الفرص الاستثمارية الواعدة وطلبات العروض المعلنة لمشاريع يمكن للقطاع الخاص الاستثمار فيها سواء في مجال الطاقات المتجدّدة والتقليدية أم في القراءة الآلية للعدادات وتحسين أنظمة الجباية والتحصيل، إضافة إلى استثمار شبكات التوزيع وفقاً لقانون الكهرباء، ولاسيما أن بعض التطبيقات التي عُرضت في المعرض تُعتبر مهمة للقطاع الخاص ليقوم بنشرها في السوق المحلية كبدائل لتوفير الكهرباء من اللواقط الكهروضوئية المرتبطة ببطاريات تخزّن الكهرباء لاستخدامها ليلاً.
 
تعقيب:
لا نقصد التحامل على الوزارة، ولكن نقصد المنطقية في القرارات والإسراع، وليس التسرع في المشاريع والبدائل هو المقصد.. ولكن التخوف من القرارات اللامنطقية أو المماطلة في أي من المشروعات كالطاقة البديلة أو عدم الجدوى الاقتصادية لمشروعات كمحطات التوليد العائمة في البحر والتي بيّنت مصادر الوزارة أن هذه الخطوة مع كل ما تتطلبه من استثمارات ووقت لا تعتبر حلاً مثالياً لأزمة الكهرباء، وإنتاجها لا يمكن أن يغطي حاجة القطر لأن الأولوية تتمثل في تأمين الوقود اللازم لتشغيل محطات التوليد.. التخوف من التسهيل للقطاع الخاص ليقوم بنشر بدائل توفير الكهرباء في الأسواق المحلية كاللواقط الكهروضوئية المرتبطة ببطاريات أو المولدات: والدافع "زيادة تقنين".. ودمتم.