البحث عن موارد للخزينة..غياب مشروع الإصلاح الضريبي..رفع لأسعار الخدمات والمنتجات من دون مطارح ضريبية تتوافق مع الأزمة

البحث عن موارد للخزينة..غياب مشروع الإصلاح الضريبي..رفع لأسعار الخدمات والمنتجات من دون مطارح ضريبية تتوافق مع الأزمة

الأزمنة

السبت، ٢٨ نوفمبر ٢٠١٥

أحمد سليمان
بعد خروج مواقع الإنتاج الاقتصاد الرئيسية من الخدمة، وتوقفها عن العمل والتي كانت تؤمن موارد رئيسية لخزينة الدولة، جراء هذه الحرب التي تشن على سورية بكل مكوناتها، شعباً، واقتصاداً، ومؤسسات، ودولة، اتجهت الحكومة وعلى مختلف مفاصلها لتعويض هذه الموارد من مطارح أخرى، هي الأضعف بين من لديهم (ما تسمى موارد) الأسهل على الحكومة باعتبارها بالمتناول.. ألا وهي جيب المواطن، إما عبر رفع أسعار الخدمات والمنتجات التي تقدمها الدولة، أو بفرض ضرائب جديدة على الخدمات المقدمة، رغم تدني مستواها وعلى الرواتب والأجور، مع تآكلها بفعل ارتفاع الأسعار وشبه ثباتها منذ بداية الأزمة تقريباً وكأن صناع القرار الاقتصادي توقفت ملكات تفكيرهم عند هذه الحدود ـ حدود لقمة العيش التي بالكاد يؤمنها هذا المواطن وهو لا يستيقظ أي صباح إلا ويجد عملته الوطنية قد فقدت جزءاً من قيمتها، مع انخفاضها المتتالي أمام سعر صرف الدولار ليس في السوق السوداء بل حتى في نشرات أسعار الصرف للمصرف المركزي التي تلاحق سعر الأسود وتعيد تبييضه دورياً.
إن كانت صحيحة
 ورغم أن الدولة كانت تؤمن موارد لخزينتها من صادرات النفط والخامات الرئيسية ومن الرسوم والضرائب المفروضة على الصادرات الأخرى وعلى المستوردات والمعاملات الحكومية وعلى المحال التجارية ومن فروق الأسعار في المواد التي تقدمها سواء تصنيعا أو تجارة وعلى دخول الشركات الخاصة وأرباحها ـ هذا إن كان بعض دفاترها صحيحاً، إلا أن الحكومات كانت دوماً عينها على رواتب وأجور موظفيها لتأمين جزء من الموارد عبر الضرائب والرسوم التي تفرضها بشكل متتالٍ ومتوالٍ مع أي زيادة على هذه الأجور رغم وجود مطارح ضريبية كثيرة لم تستثمرها وبخاصة من كبار أصحاب رؤوس الأموال، بل كانت دائماً تذهب إلى تقديم التسهيلات لأعمالهم والإعفاءات لنشاطاتهم، تشجيعاً لهم على بقاء استثماراتهم في البلاد وجذب أخرى.
زجه في الإنتاج
 ومع أن هذه التسهيلات والإعفاءات التي كانت تقدم لهؤلاء كانت كافية لتوطين حجم رأسمال كبير وزجه في الاستثمارات الإنتاجية الرئيسية الفعلية وبخاصة الصناعة والتجارة وبالتالي مساعدة الدولة على القيام بالأعباء الاقتصادية والاجتماعية عبر استثمار أفضل للموارد والمواد الأولية وتحقيق قيمة مضافة أعلى لها عبر تحقيقي تكامل لسلسلة الإنتاج أولاً وتأمين احتياجات السوق ثانياً ثم التصدير بعد رفع نسبة القيمة المضافة على المواد المنتجة محلياً إلى أعلى مستوى ممكن إضافة إلى تأمين قرص عمل لمئات آلاف الوافدين إلى سوق العمل سنوياً.. كل ذلك لم يغر أصحاب رؤوس الأموال إلى زج النسبة الأكبر من رأسمالهم في العمل الإنتاجي بل كان دائماً ينشط في الأعمال التجارية والخدمية باعتبار أن دورة رأس المال قصيرة ويمكن استرداد رأس المال في عدة أشهر في حين أن العمل الإنتاجي( زراعي وصناعي) يحتاج إلى سنوات لاسترداد رأس المال المستثمر وهو واضح القيم وبإمكان الدولة تقييمه أو اتخاذ أي إجراء في حال لم يدفع الضرائب المستحقة بينما هناك صعوبة في فرض ضرائب عادلة على العمل التجاري والخدمي وسهولة التهرب الضريبي الذي كانت قد سربت معلومات ثم نفتها حكومة عطري عن حجمه بقيمة نحو 200 مليار ليرة أي ما يساوي حالياً أضعاف الموازنة المالية للدولة للعام القادم والبالغة 1980 مليار ليرة.
دلالاً لهم
 إذا كانت الأوضاع كذلك قبل الأزمة فيما يتعلق بفرض ضرائب على رؤوس الأموال الكبيرة رغم أن هيئة الضرائب والرسوم وترغيباً ودلالاً لهم أحدثت لهم دائرة خاصة أطلقت عليها دائرة كبار المكلفين، إلا أن هذه الدائرة لا أحد يعرف أنها حققت الهدف من وراء إحداثها أم لا، مع أننا نعرف ويعرف الجميع أن واردات الضرائب كانت تأتي من رواتب الموظفين الذين يدركون تماماً أن أي واحد منهم يدفع ضرائب أكثر من أي تاجر أو مستثمر في العام في حين كان يتطلب تفعيل أدوات ووسائل التحصيل الضريبي من قبل الذي بات الآن هاجساً يقض مضجع الحكومة حالياً وهو أمر حاولت هيئة الضرائب من تقديم مقترحات تتمثل بفرض ضرائب على كبار ومتوسطي وصغار المكلفين، إلا أن رئاسة الحكومة كما تقول بعض المصادر لم توافق على ذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية المتدنية لجميع فئات المجتمع ومراعاة ظروفهم لكنها في المقابل لم تتوان عن فرض ضرائب على رواتب الموظفين وكأنهم يصنفون بشريحة ذات الدخل الأعلى.
نحو تجار الدولار
 فمقترحات الهيئة كانت تركز على فرض ضرائب على تجار الدولار ممن تمول وارداتها بالقطع الأجنبي ولا تستورد وممن تمول وتستورد فعلياً، ومنهم من سمح لهم استيراد المازوت والمشتقات النفطية إضافة إلى فرض ضرائب ورسوم على نشاطات الاقتصاد غير النظامي وهو ما يعرف أكاديمياً باقتصاد الظل الذي بات يشكل حسب بعض التقديرات أكثر من 65 بالمئة بحيث تقوم وزارة الإدارة المحلية متمثلة بالمحافظات بفرضها رسوم على هذه النشاطات لمصلحة الخزينة العامة للدولة، وهو أمر قد يعتبر اعترافاً رسمياً بنشاطات هذا الاقتصاد وما يتبع ذلك من إجراءات تنظيمه بالإضافة إلى زيادة حجم الضريبة على نشاطات دفعت بها الأزمة إلى الواجهة مثل مبيعات الأغذية والمواد الأساسية الاستهلاكية، بحيث ترفع قيمة الضريبة على مبيعاتها، كنسبة وتناسب على حجم الأرباح الخيالية التي يتقاضاها التجار بجميع حلقاتهم المتعددة.
فالمعنيون في وزارة المالية يعانون كما يرى اقتصاديون من ضعف واضح في اتخاذ القرارات الجريئة أو أي إجراء ضريبي يتعارض مع مصالح أصحاب النفوذ ومن في حكمهم من كبار التجار والصناعيين الأمر الذي يحول من دون تعديل التشريعات الضريبية وتطويرها باتجاه العدالة وتحصيل حقوق الخزينة العامة، وأن محاباة هذه الفئة الأكثر إفادة من الأزمة باتت مكشوفة، والدليل عدم فرض رسم أو ضريبة ولو واحدة على نشاطاتهم الاقتصادية، تتناسب مع الأرباح الخيالية التي يجنوها.
عدم الثقة..
كل ذلك يتطلب معالجة للتهرب الضريبي الذي تعيده مديرية التشريع الضريبي في هيئة الضرائب والرسوم إلى ضعف الوعي الضريبي وعدم وجود عدالة بين المكلفين والتوسع في تفسير الاستثناءات من دون نص قانوني وشعور المكلف بتعدد الضرائب المفروضة عليه وضعف الخدمات المقدمة مقابل الضريبة وعدم الثقة بالدوائر المالية وعدم التمييز بين المكلفين الملتزمين والمتهربين ما يدفع الملتزم للتهرب من الضريبة بالإضافة إلى غياب محاكم ضريبية مختصة تفصل بالنزاعات بين المكلفين والدوائر المالية من الأسباب التشريعية للتهرب الضريبي معتبرة على لسان مديرها علي عكر أن علاقة المكلف بالدوائر المالية علاقة الضعيف بالقوي واعتراضاته في تطبيق القانون الضريبي تكون للدوائر المالية التي هي نفسها التي تفرض الضريبة فالدوائر المالية هي التي تفصل في النزاعات بينها وبين المكلفين من دون الرجوع للقضاء.
فظروف الأزمة لم تدفع بالقيام بإصلاح النظام الضريبي المعمول به بموجب القانون 24 / تاريخ 2003 الذي ألغى بموجبه القانون رقم 85 تاريخ 21/5/ 1949 والعديد من التشريعات المرتبطة به حيث كان قد أبقى القانون 24 على أسلوب التحقق والتحصيل الضريبي كما كان في ظل القانون 85، وأن ما تم القيام به تعديل وحيد تمثل بإعادة فرض ضريبة الآلات رغم أن جدواها تعد قائمة.
غابة التشريعات
 فأي إصلاح ضريبي في سورية يجب أن ينطلق من التوجه نحو أثرياء الأزمة وإدخالهم على خط دفع الضريبة، وأنه حتى الآن لا يوجد قانون ضريبي عصري يحقق المطارح الضريبية الفعلية، فنحن كما يقول الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور ابراهيم عدي إننا ما زلنا نعمل بعقلية القانون الضريبي العائد لمرسوم عام 1949 والذي تعدل تحت مسميات فأصبح القانون 24 لعام 2003 الذي يعتبر غابة من التشريعات ولم يحقق إيرادات ضريبية كما كان متوقعاً، متسائلاً في الوقت نفسه عن سبب عدم استطاعة وزارة المالية حتى الآن إصدار قانون ضريبي عصري ملائم، حيث يبدو الأمر خلال الأزمة أكثر صعوبة.‏
من الثروات
من هنا يجمع كثيرون على كثيرً من المطارح الضريبية لم تفكر فيها المالية وهي مصدر دخل كبير جداً للخزينة ولا تؤثر على المستوى المعيشي للمواطن ما يستدعي البحث عن تلك المطارح وإصدار التشريعات التي تمكن الخزينة العامة للدولة من أخذ حقها من هذه المطارح والتي شكلت ثروات طائلة لمن يمارس فعاليات معلومة لدى الجميع من دون أن تستفيد خزينة الدولة منها نهائياً وهذا يعتبر إخلالاً بأهم مبادئ الضريبة التي تقوم على مبدأ توزيع الثروة، وتحقيق مبدأ توزيع الثروة الذي يسهم في تحقيق العدالة الضريبية.‏