العيد يقترب..الجيوب فارغة لا تزال..أنا ونقودي.. والحذاء ثالثنا!!

العيد يقترب..الجيوب فارغة لا تزال..أنا ونقودي.. والحذاء ثالثنا!!

الأزمنة

الأحد، ١٣ سبتمبر ٢٠١٥

الأزمنة – مجد سليم عبيسي
اعتدنا في كل عام مع اقتراب أي مناسبة سواء كانت صغيرة أم كبيرة، ارتفاعاً بالأسعار يذكرنا باقتراب المناسبة التي قد نكون نسيناها!! المهم أن الهيستيريا اللامسؤولة تدفع بنا للرقص على أوتار التجار كما يحلو لهم والتمايل من "الدوار" الناتج عن انبهارنا المتجدد بإبداعاتهم الجشعية والاستفزازية بالوقت نفسه..
كل ما أريده هذا العيد هو حذاء. هيأت بضعة آلاف رصدتها سلفاً من مرتبات عدة أشهر وانبريت أكحل عيني "بحذاء أسود" سوّد سعره عيشتي وآمالي باقتناء ما يفرح قدميَّ التعستين!!
 
رحلة حفلة الأسعار:
الآلاف الهزيلة في جيبي كانت تشدني من حزامي كلما توغلت في السوق أكثر، ولسان حالها يخبرني: - سوف لن نشتري هذا العيد حذاء.. فالأحذية الجديدة ليست لك. وهل المستعمل أرحم؟!. ليس أرحم فالاثنان مع اقتراب العيد ليسا لك. وما أفعل إذاً يا عديمة القيمة؟!. اشتري "بويا" واقصد الإسكافي وأصلح وفرشي قديمك الحزين، عله يضحك لك.. أفضل من أن يضحك السوق كله عليك. لن أعود.. وسألف السوق مرات ومرات حتى أتخلى عنك مقابل حذاء يحترم نفسه ويسعدني... وأسعد به ويحترمني. اسمعني وعد أيها الحذاء.. فمبتغاك بات في خبر كان منذ سنين مضت.. "عندها لم أحتمل الاستفزاز وقلة احترام نقودي لي، فخنقتها بعمق في عتمة الجيب.. وتابعت البحث" كعادتي قصدت محال الجلديات "فأنا لابس جلد محترف ومتأصل" وحلقت ببصري بين التصاميم المختلفة حتى استقررت على إحداها "هذا هو حذاء العيد المنشود".. اقتربت لأنظر رقم الموديل فأطلبه.. قرأته ودخلت: - عوافي.. - هلا..
- لو سمحت كم سعر الحذاء صاحب رقم الموديل "6999" ؟! - 6999
-عفواً؟!.  6999 ليرة سورية، وهذا ليس رقم الموديل يا حبيب. حسن، هل هناك أرقام موديلات أرخص قليلاً ؟! طبعاً.. هناك بـ 6500 ليرة. وإذا أرخص كثيراً؟. "اذهب إلى البالة" وانصرف إلى داخل المحل قبل أن أنصرف أنا !!، وخرجت مسرعاً خوفاً من أن يعود حاملاً عصا ينسف بها أم رأسي أن بقيت محملقاً مندهشاً به كما كنت !!"
أصحاب المحال يحاولون تسويغ هذه الارتفاعات الجنونية في الأسعار بإرجاع السبب في ذلك إلى «تكاليف الإنتاج وارتفاع أجور النقل واليد العاملة و.... و... ». ولكنها في النهاية مسوغات وذرائع لمضاعفة الأرباح مرات عدة..
ففي تصريح سابق لرئيس مكتب الشؤون القانونية والإدارية في "اتحاد الحرفيين" بدمشق جوزيف أوضح أن الكثير من المحال في الصالحية والقصاع وشارع الحمرا وباب توما وغيرها في الأسواق الرئيسية، تبيع الأحذية بأسعار تصل إلى 6 آلاف ليرة"، مبيناً إنه "بعد حساب عناصر التكلفة لها وهوامش الربح للمنتج وللحائز يجب ألا تتعدى 2500 ليرة".
 
وبين أن "هذا هو السعر الحقيقي للأحذية بالرغم من ارتفاع أسعار الجلود والمواد الأولية، ومستلزمات إنتاج هذه المادة التي تصنع في أغلبيتها في محافظة حلب، التي كانت تغطي حاجة كافة المحافظات، وتصدر إلى الخارج.
وقال جوزيف إن: "اتحاد الحرفيين كان طلب مراراً وتكراراً من وزارة التجارة إخضاع كافة المنتجات الوطنية للتكاليف المحلية الحقيقية، بعد إعطائها نسبة من الأرباح ضارباً مثالاً الحذاء الذي يكلف 1800 ليرة، بعد إضافة هامش ربح بنسبة 14% للمنتج و15% للحائز على الحذاء الرجالي ونسبة 20% على الحذاء النسائي يصبح بحدود 2500 ليرة في الحد الأعلى".
وبناءً على طلبات أخرى مماثلة منذ العام الفائت طلبت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مؤخراً من مديرياتها في المحافظات السماح لأصحاب الفعاليات التجارية ممن يعملون بصناعة وتجارة الألبسة والأحذية بإجراء تخفيضات على أسعارها لغاية نهاية عطلة عيد الفطر. واشترطت الوزارة في بلاغ أن تكون هذه التنزيلات “حقيقية وليست وهمية” لتؤدي الهدف المطلوب للاستفادة منها مع قرب حلول عيد الفطر السعيد حيث يزداد الطلب على هذا النوع من المنتجات. كما طلبت الوزارة من مديرياتها القيام بجولات ميدانية على الأسواق والمحال التجارية الخاصة ببيع وتجارة الألبسة والأحذية بمختلف مسمياتها وأنواعها /الولادية والنسائية والرجالية/ للتحقق من إلا تكون هذه التنزيلات “وهمية” وذلك من خلال التدقيق في الفواتير المتداولة بين حلقات الوساطة التجارية واتخاذ الإجراءات والعقوبات القانونية الرادعة بحق المخالفين.
علماً أنه في أواخر عام 2014 أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً ينص على تشميل الألبسة والأحذية الرياضية ومستلزماتها بكل الأنواع والمسميات بأحكام القرار 169 لتاريخ 26-1-2014.
وحدد القرار الصادر نسب الأرباح من الألبسة والأحذية الرياضية ومستلزماتها بجميع الأنواع والمسميات حيث تكون نسبة الأرباح المقررة في حال الاستيراد 20 بالمئة للمستورد من تكاليف الاستيراد و5 بالمئة لتاجر الجملة والموزع و20 بالمئة لبائع المفرق.
وبالنسبة إلى الأرباح المقررة في حال الإنتاج المحلي وفقاً للقرار، فتكون 20 بالمئة للمنتج من تكاليف الإنتاج المحلي و5 بالمئة لتاجر الجملة والموزع و20 بالمئة لبائع المفرق.
ويطبق هذا القرار اعتباراً من تاريخ 25-2-2015، كما ينص على بقاء المواد الواردة بقرار الوزير رقم 169 كما هي من دون أي تعديل.
ورغم ما تم ذكره من قرارات صادرة دخلت قيد التنفيذ ومطالبات وزارية "بالسماح" لأصحاب الفعاليات التجارية بإجراء التخفيضات مع اقتراب العيد المبارك.. فالحذاء الجلدي كان ثمنه 6999 ليرة سورية فانخفضت المطالب إلى الجلد الصناعي..
 
رحلة ما بعد الطبيعي:
تابعت رحلتي إلى محال الجلد الصناعي، ولكن ضمن الطرازات الرسمية التي أحب، وجدت الأسعار مشهرة على الواجهات ليكفوا المواطن مغبة السؤال لأقرأ: /3000 – 3800 – 4200 – 5000 -.... / وكلما تحسنت الصناعة قليلاً ازداد السعر ألفاً!! ولكن قولاً واحداً فإن السعر لا يوازي جودة المنتج بتاتاً، فحتى الحذاء ذو السعر المناسب لي هو بالحقيقة سيئ ولا يناسب ثمنه إطلاقاً.. والذي حصل أني قلت في نفسي: "يا لشماتة نقودي بي" ودخلت لأقيس أرخص ما لدى البائع والذي كان بـ 2600 ليرة سورية فالتوت قدماي داخل الحذاء سيئ الصناعة لدرجة أني سرت عدة خطوات داخل المحل "كالمعاق" لأنهار على أول كرسي وأخلعه مرتاحاً وأخلع نفسي خارج المحل مرتاحاً أيضاً.
غيرت بنك الأهداف الخاصة بي، وقررت أن ألبس "خفافات" فهي أرخص من غيرها كما رأيت في السوق، ولكن الطرازات المزركشة والألوان التي تناسب المراهقين جعلتني أقلع عن الفكرة قبل أن أتبناها..
فكرت قليلاً.. "ما مشكلة أحذية الرياضة ؟!" والله إنها كويسة ومريحة.. وإلى محال الأحذية الرياضية عقدت العزم..
دخلت إحدى الوكالات الرياضية "بحكم أني كنت قبل الأزمة لابساً محترفاً لمنتجات الوكالات"..
- مساؤك آنستي الجميلة..
- مساؤك أستاذ
- الحذاء الأبيض والأسود بكم؟
- 42
- عفواً لم أسأل عن نمرته.. سألت عن سعره
- نعم، 42 ألف ليرة سورية
فصعقت.. وخرجت لا ألوي على شيء إلا سوق "البالة"، فعلى ما يبدو نصيحة بائع الجلديات منذ البداية كانت أفضل.
دخلت السوق لأرى الأحذية المستعملة تنتظر حزينة على الرفوف مالكها الثاني أو الثالث ولربما الرابع.. لا أدري، دخلت السوق من أوله وأنا أسأل وأتنور عن الأسعار.. فلم أجد حذاءً قديماً أرخص من 2000 ليرة سورية، والأسعار منها ما هو أغلى من الجديد إذ وصلت أثمان بعض القطع المستعملة إلى ستة وسبعة آلاف ليرة سورية..
هذا الغلاء الفاحش الطارئ على أسواق "البالة" نجم عن عدة عوامل أولها الإقبال الكثيف الذي حصل بعد أن بدأت أسعار الجديد بالارتفاع، والأهم هو عدم إلزام الرقابة لتجار البالة بأسعار محددة لبيع بضائعهم.. فهو سوق يمكنك أن تجد به بضائع شبه تالفة وأغلى من الجديدة في الأسواق المحترمة. وهذا ما رأيته رأي العين !!.
خرجت أجرّ أذيال الخيبة من آخر الأسواق يائساً من شراء حذاء جيد وسعره مناسب.. لأخرج نقودي "المجعلكة" من جيبي وأقبلها وأشتري "علبة صباغ للأحذية" وأقصد الإسكافي..
 
أنا والإسكافي:
وصلت إلى إسكافي كنت أعرفه مذ كنت يافعاً وفوجئت من الزحام الخانق في دكانه الضيق!! سلمت عليه فتذكرني وجلست أنتظر ريثما يفرغ قليلاً.. وبقيت أنتظر قرابة الساعة.
ولما تفرغ لي شرعت أسأله عن أحواله، فلاحظ استغرابي من الزحام. وهو الذي كنت أعرفه قبل عدة سنوات يشرب الشاي على باب دكانه ويدخن الأركيلة معظم وقته.. فقال:
-لما دخلت البضائع الصينية لبلدنا.. وازدهرت الصناعة الوطنية في فترة من الفترات وباتت أسواق العالم مفتوحة أمامنا.. كانت النهاية ستكتب لهذه الحرفة لأن أغلبية الناس باتوا يرمون أحذيتهم إذا تعرضت لتخريب بسيط ويشترون حذاء جديداً!! ولقد عانيت كثيراً في هذه المرحلة أنا وأمثالي في هذه الحرفة ولكن الغلاء الشديد الذي يواجه الناس حالياً أجبرهم على العودة إلي كي أصلح لهم أحذيتهم حتى تخدمهم مدة أطول.. وطبعاً بحكم الغلاء ارتفعت أجرة صيانة الأحذية ولكن مهما يكن فهي أرخص من أرخص شيء..
وجد هذا الإسكافي وغيره من أصحاب المهنة فرصة في إعادة الحرفة إلى الصدارة بعد أن تراجعت إلى الوراء منذ عقود، عدا الارتفاعات المفرطة بأسعار الأحذية الجديدة الذي جعل الكثيرين يعودون إلى الأسكفة، ومنهم أنا الذي وجدت في الإسكافي مواساتي هذا العيد.. اعتذرت بعدها لنقودي وهمست لها:
"صدقتِ.. سوف لن نشتري هذا العيد حذاء"