الإقتصاد السوري .. صمود رغم الضغوط

الإقتصاد السوري .. صمود رغم الضغوط

مال واعمال

الاثنين، ١٦ مارس ٢٠١٥

تخوض سورية مواجهة كبيرة تتمثل في التصدي للحصار الإقتصادي المفروض عليها منذ أكثر من أربع سنوات، حيث تسعى للإستمرار بتسيير عجلة الإقتصاد وتأمين الموارد الماليّة وإيصال الخدمات من طبابة وكهرباء وطاقة الى المواطنين على الرغم من الخسائر التي يعاني منها الإقتصاد السورية "وهذا طبيعي بسبب الأزمة المستمرة في هذا البلد".
 وفي تقرير جديد، يحصي «المركز السوري لبحوث السياسات» خسارة سوريا لأكثر من 202.6 مليار دولار منذ بداية الأزمة حتى نهاية عام 2014، أي ما معدله نحو «أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 بالأسعار الثابتة»، وبزيادة قدرها 58.8 مليار دولار عن الخسائر المقدرة بنهاية عام 2013.
التقرير، الذي يرمي بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووكالة «الأونروا» إلى «تحليل الآثار التنموية الكارثية للنزاع المستمر في سوريا»، يشير إلى أن معدل البطالة وصل في نهاية العام الماضي إلى نسبة 57.7%، إذ فقد نحو 2.96 مليون شخص عملهم خلال الأزمة.
ولجهة المؤشرات الاقتصاديّة الكليّة، تكشف البيانات عن انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.9% في العام الماضي، كما أن الاستثمار العام استمر في التراجع بمعدّل 17% مقابل تحسن طفيف في الاستثمار الخاص. وسجّلت تغطية الصادرات للمستوردات تراجعا من 82.7% عام 2010 إلى 29.7% عام 2014، وتجلّى ذلك في العجز التجاري الهائل الذي وصل إلى 42.7%.
وعلى الرغم من هذه الأرقام يبقى الاقتصاد السوري محافظا على درجة جيّدة من الاستقرار نظرا الى الازمة التي تمر بها البلاد، وعمليات النزوح وتدمير البنى التحتية، ليضاف اليها عمليات السلب والنهب في بعض المدن الكبرى.

سياسة تقليل الخسائر
رغم العقوبات وتشديد الضغط، نجحت الحكومة السوريّة في تقليل الخسائر عبر اعتماد سياسة فتح علاقات جديدة مع مختلف الدول، والاستفادة من الخبرات، الامر الذي مكّن السوريين من الإستمرار من تسيير شؤون الدولة، بالرغم من ارتفاع وتيرة النزوح الى داخل وخارج البلاد، وحافظت مؤسسات الدولة على عملها بشكل كبير، رغم الأضرار الهائلة التي لحقت بالبنى التحتية والمرافق الحيوية، من محطات توليد الكهرباء وتكرير النفط وشبكة الطرقات العامة، الا أن ذلك لم يمنع الحكومة من ان تحافظ على حد ادنى من الاستقرار النقدي والمالي.

الإكتفاء الذاتي
 قبل العام 2000، اعتمدت سورية سياسة إقتصادية شكلت الدولة فيها المحور الأساسي. فالحكومة السوريّة لم تربط اقتصادها بالمساعدات الغربية او ما يعرف بالنظام الرأسمالي، بل اتبعت سياسة الاكتفاء الذاتي زراعيّاً ونفطيّاً والى حد ما صناعياً، وقننت الإستيراد من الخارج وأعطت الأولوية للانتاج المحلي.
ولكن بعد العام 2000، عمدت سورية وخاصة في السنوات الاخيرة قبل الازمة الى الانفتاح الإقتصادي على جيرانها من ايران والعراق وتركيا وحتى دول خليجية، اضافة الى مجموعة البريكس، ودول أمريكا الجنوبية وحتى بعض الدول الاوروبية، ووقعت العديد من الاتفاقيات معها، لكن دون ربط اقتصادها بالمعايير الغربية.
 وفي استعراض لأبرز خصائص الإقتصاد السوري نرى أن سورية:
_ من أقل دول العالم مديونية "حتى خلال الأزمة".
_ لها علاقات جيّدة جدّاً مع دول وازنة كروسيا والصين وايران، جعلتها تتمكن من مواجهة الأزمة التي كان لها تأثيراً إقتصاديّاً ولكن أقل من المتوقع.
_ لا توجد مؤسسة أو موقع إقتصادي تأخر عن سداد رواتبه خلال فترة الازمة.
_ الموازنة السنوية لعام 2013 قد زادت عن عام 2012 وعن كل الموازنات السابقة.
_ الاحتياط النقدي يكفي للتأقلم الإيجابي مع ظروف الحرب.
_ العلاقات الاقتصادية مع بعض الدول العربية موجودة وتتجذر مع ايران وروسيا والصين.
 وفي قراءة بهذه المعطيات يرى الخبير والمحلل الإقتصادي حيّان سليمان أنّ أحد أبرز خصائص صمود سوريا إقتصادياً خلال الأزمة وعدم انهياره نهائيّاً كان التلاحم بين الجيش والشعب والقيادة. وفي مقابلة مع موقع المنار الإلكتروني قال سليمان إن أبرز الأمور التي ساهمت بعدم إنهيار الإقتصاد السوري هي:
1- التلاحم بين الشعب والجيش والقيادة السورية.
2- الاقتصاد السوري هو اقتصاد متنوع، "اقتصاد انتاجي: زراعي صناعي خدماتي".
3- وجود احتياط نقدي كبير في المصرف المركزي السوري، تم ادارته بما يلتزم مع الاولويات خلال الأزمة.
4- وقوف الأصدقاء مع سوريا وعلى رأسهم "ايران وروسيا" وعدد من الدول الأخرى التي كانت سوريا تدعمها خلال الفترات السابقة.
5- المواطن السوري بكل فعالياته "زراعي - صناعي - خدماتي"، تمسك بالليرة السورية التي تشكل احد وجوه الصمود، "بعد 4 سنوات على الأزمة تحاول العديد من الدول دولرة الإقتصاد السوري عبر ضخ أموال أجنبية في السوق السورية، ورغم ذلك الليرة السورية هي الموجودة الى الآن".
6- شفافية الدولة امام الجمهور "موازنة 2015 هي اعلى موازنة خلال السنوات الماضية، بقيمة 1554 مليار ليرة سورية خصص منها للدعم الاجتماعي اكثر من 800 مليار ليرة، إضافة الى زيادة مبلغ 4000 ليرة على الرواتب غير خاضعة للضرائب".
هذا وبحسب سليمان فإنه تمّ توصيل الرواتب والاجور الى جميع المحافظات في سوريا طيلة فترة الأزمة وحتى الى معظم مناطق الرقة.

إنتاج النفط
كان إنتاج النفط يصل الى 385 ألف برميل يوميّاً قبل الأزمة، والأن أنخفض هذا الانتاج إلى 10000 برميل يوميا،ً وهذا بسبب تواجد أكثر حقول النفط أو آبار النفط في المنطقة الحدودية مع تركيا، حيث تسيطر الجماعات المسلحة.
 وعمدت الجماعات المسلحة الى تهريب ملايين البراميل من النفط عبر تركيا وقامت ببيعها الى بعض الدول الاوروبية بأبخس الأسعار.

التربية والصحة
لا شكّ أيضاً أن تكاليف المنظومتين التربوية والصحيّة هي الأعلى في مختلف دول العالم، لكن وعلى الرغم من الأزمة في سوريا لا يزال التعليم مجاني والصحة مجانية،  وكذلك الخدمات التعليمية والتربوية بعد نحو 5 سنوات على الأزمة.

تدمير القطاع الصناعي
 في المجال الصناعي، كانت سوريا تعتمد بشكل كبير على مصانعها المحليّة وشكلت مدينة حلب الرئة الاقتصاديّة، ووُصفت بأنها العاصمة الثانية كونها تشكل قلب الحركة الماليّة والصناعيّة السوريّة. واللافت أن المدينة التي تضم زهاء مليونين ونصف المليون نسمة ظلت لفترة طويلة بعيدة عن الاحداث حتى صيف العام 2013 حين تسلل اليها ألاف المسلحين ضمن خطة مسبوقة للسيطرة على المدينة.
 دخول المسلحين الى حلب مكّنهم من وضع اليد على المصانع الموجودة فيها، كما عمدوا الى سرقة عدد كبير من المصانع ونقلوها الى تركيا، كما دمّروا العديد من المنشآت الصناعية السوريّة وخطوط انتاج عدد من الصناعات، مثل الغزل والنسيج والمواد الغذائية والطبية، كذلك مصانع الاسمنت وبيعها كخردة بأبخس الاثمان.
وفي هذا الإطار يقول المحلل الإقتصادي حيّان سليمان أن المجموعات المسلحة وبعض الدول المجاورة لسوريا عملوا على ضرب الإقتصاد السوري من خلال ضرب حلب عبر:
1_ سرقة عدد كبير من المعامل والمصانع التي تحمل قيمة مضافة، وتحول المزاية النسبية الى تنافسية مثل معامل "الادوية - المواد الغذائية - الغزل والنسيج - معامل مواد البناء"، حيث تم نقلها جميعها الى تركيا.
2- تسلل الجماعات المسلحة عبر الحدود المفتوحة الى حلب حيث قاموا بسرقة المعامل الكبيرة وقاموا بتدمير الباقي.
3- قامت بعض الدول بإرسال نقود اجنبية وسلع الى حلب بهدف ضرب الصناعات المحلية واغراق السوق السوري.
 كل هذه الظروف بحسب سليمان دفعت القيادة السورية الى تأمين جميع السلع والمواد الاولية، وقامت بإيصالها الى حلب عبر الطائرات وهذا ما نجحت بالقيام به.
  وإضافة الى ما تقدم فإن المشاريع المتوسطة والصغيرة تشكل أكثر من 70% من حجم الناتج المحلي الأجمالي في سوريا، ولكن ما حدث من عقوبات اقتصاديّة منعت الصادرات وتحكمت بالمستوردات، ومن خلال ذلك تأثّرت شركات التأمين وشركات إعادة التأمين وقامت برفع أسعارها، وكذلك ارتفعت أسعار النقل.
 وبالنظر الى كل هذا نرى أن الإقتصاد السوري حقق إنجازاً كبيراً بعد أكثر من أربع سنوات على الأزمة، من دون إغفال الخسائر التي لحقت بسوريا وإقتصادها ويأتي على رأسها ارتفاع معدلات البطالة. ولكن العديد من المتابعين لهذه الأزمة يؤكدون على قوّة سوريا إقتصادياً معللين ذلك بحجم الهجمة التي تواجهها إقتصادياً وعسكريّاً منذ أكثر من أربع سنوات.