إيطاليا تدخل منعطفاً خطيراً مع تفاقم ديونها... وفرنسا قلقة

إيطاليا تدخل منعطفاً خطيراً مع تفاقم ديونها... وفرنسا قلقة

مال واعمال

السبت، ٢٠ أبريل ٢٠١٩

تخرج أوروبا من أزمة لتدخل في أخرى، فهي لم تكد تنتهي من أزمة بريكست وتداعياتها على التجارة والمؤسسات المالية وإرباكها دورة النمو الاقتصادي، حتى تقترب من أزمة مالية جديدة قد تنطلق من إيطاليا هذه المرة وتجر معها فرنسا. 
فالاقتصاد الإيطالي لم يخرج من أزمة الديون المصرفية التي ضربت منطقة اليورو في العام 2011، وكادت تفلس العديد من مصارفها. وبحسب الأرقام، فإن الديون الخاصة والحكومية ترتفع بمعدل ملحوظ في إيطاليا، في وقت تعيش اقتصادات أوروبا حالة من الضعف، ويتهيب المستثمرون وضع مزيد من المال في شراء سندات الدين الإيطالي. 
وحذر تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في الأسبوع الماضي، إيطاليا من مخاطر الارتفاع الجنوني في الديون. وذكر الصندوق في تقديراته، أن نسبة الديون الإيطالية إلى الناتج المحلي الإجمالي سترتفع إلى 134.4% خلال العام المقبل 2020 وإلى 138.5% في العام 2024. وهما نسبتان كبيرتان مقارنة حتى بنسبة الديون في الدول ذات النمو المرتفع. ويقدر حجم الديون الإيطالية حالياً بنحو 2.14 تريليون يورو. وهذا هو معدل الدين العام، أي ديون الحكومة، ولا يشمل الديون التي تحملها المؤسسات الخاصة. 
ويلاحظ أن الديون الإيطالية تزيد في وقت تنخفض نسبة النمو الاقتصادي إلى نحو 0.1%، بحسب التقديرات الرسمية الإيطالية الصادرة في الأسبوع الماضي. وبالتالي، فإن الاقتصاد الإيطالي من الناحية العملية، هو في حالة ركود، لكن المفوضية الأوروبية لا تعترف بذلك. 
ويعني ارتفاع حجم الديون عملياً ارتفاع خدمتها، أي كلفة تسديدها، سواء بالنسبة إلى السندات التي حان أجلها أو تلك التي لم يحن أجلها وتدفع عليها فائدة سنوية. وبالتالي من المتوقع أن يرتفع تلقائياً عجز الميزانية الإيطالية تبعاً لارتفاع نسبة حجم الديون. كما يلاحظ اقتصاديون، أن الديون الإيطالية معظمها مجدول للسداد خلال السنوات القليلة المقبلة. ففي العام الحالي، لدى إيطاليا سندات حان أجل سدادها تقدر بنحو 250 مليار يورو. 
وفي هذا الصدد، يقول الاقتصادي الإسباني، دانيال لاكال، إن حجم الديون الإيطالية التي يحين أجل سدادها خلال العام الجاري يعادل 50% من تلك التي يحين أجل سدادها في كل دول منطقة اليورو البالغة 19 دولة. ويشير لاكال في تغريدة على حسابه في تويتر، إلى أن خدمة هذه الديون سترفع من عجز الميزانية في وقت، توقف البنك المركزي الأوروبي عن شراء سندات الدين الحكومية بمنطقة اليورو.
يذكر أن الحكومة الإيطالية لديها خلافات متعددة مع المفوضية الأوروبية بشأن الإنفاق الحكومي، حيث تطالبها بخفض العجز بالميزانية إلى أقل من 2.4%. وكان البنك المركزي الأوروبي يشتري نحو 50% من السندات الحكومية الإيطالية، قبل أن يوقف برنامج شراء السندات خلال العام الماضي. ويرى اقتصاديون أن إيطاليا لن تتمكن من خدمة هذه الديون خلال السنوات المقبلة، وسط معدل النمو المنخفض وارتفاع معدل البطالة وانخفاض إيرادات الضرائب. كما لا تتوفر لديها إمكانية استخدام الحيل النقدية لخفض الدين عبر رفع معدل التضخم، والمتمثلة في خفض قيمة العملة عبر سياسات زيادة الكتلة النقدية، حيث إنها عضو في منطقة اليورو التي يحكم سياستها النقدية البنك المركزي الأوروبي وليس الإيطالي.
وبالتالي، فإن الخيارات المتاحة لدى الحكومة حالياً، هي خفض الإنفاق الحكومي وبيع مؤسسات الدولة ضمن برنامج ما يعرف بـ"التخصيص"، وفرض إجراءات تقشف صارمة. ومثل هذه "الوجبة المسمومة"، يمكن أن تشعل ثورة سياسية في إيطاليا، التي يحكمها حالياً تحالف "فايف ستار وليغا نورد"، الشعبوي. 
و"فايف ستارز" الذي كسب الانتخابات في العام الماضي يعارض في الأساس عضوية إيطاليا في منطقة اليورو ويتمرد حتى الآن على جميع القرارات الأوروبية. ومن هذا المنطلق، يبدو من المستحيل أن يقبل بتنفيذ هذه الوجبة بحسب أعضاء به، والتي ينصح بها كل من المفوضية الأوروبية ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، لأن تنفيذها يعني عملياً الانتحار السياسي.
وسط هذه المعادلات الصعبة، لا يستبعد اقتصاديون أن تتفجر أزمة المال الإيطالية، في أية لحظة وتجر معها فرنسا ثم باقي دول منطقة اليورو وتهدد النمو الاقتصادي العالمي بأكمله. 
لكن القلق الحقيقي من تداعيات ديون إيطاليا الضخمة، يتزايد في فرنسا تحديداً لسببين: أولهما، أن الاقتصاد الفرنسي شديد الارتباط بالاقتصاد الإيطالي، حيث يقدر حجم التبادل التجاري بين الدولتين بنحو 90 مليار يورو سنوياً (أي أكثر من 102 مليار دولار). كما أن البنوك الفرنسية أكبر مقرض للمؤسسات المالية والشركات الإيطالية، حيث يقدر حجم سندات الدين الإيطالية التي اشترتها بنحو 311 مليار يورو، وذلك حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي 2018، وفقاً لبيانات بنك التسويات الدولية. 
أما العامل الثاني المثير للقلق في فرنسا، فهو أن الاقتصاد الفرنسي يمر بمرحلة من الهشاشة، وغير قادر على تحمل أية هزة مالية في قطاعه المصرفي. وفي حال عجز الحكومة الإيطالية عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه خدمة الديون أو سداد تلك التي حان أجلها، فإن القطاع المالي الفرنسي سيتعرض لهزة، في وقت لن تكون لا أوروبا ولا فرنسا قادرة على الإنقاذ.