الحوكمة الاقتصادية.. حضور محدود وضوابط غائبة وابتعاد عن معايير الإدارة الرشيدة

الحوكمة الاقتصادية.. حضور محدود وضوابط غائبة وابتعاد عن معايير الإدارة الرشيدة

مال واعمال

السبت، ٢ مارس ٢٠١٩

أصبحت الحوكمة الاقتصادية أو الشفافية مطلباً أساسياً لضمان تطوير القطاع الحكومي، واتخاذ القرارات الرشيدة التي تراعي المتطلبات والأهداف لجميع المعنيين والمستفيدين من خدمة القطاع، لأن تطوير الأنظمة وتحديد المسؤوليات يضع الأسس الصحيحة للحوكمة والإدارة الرشيدة، ويعزز ثقافة الإبداع والتميز، ويساهم بنشرها للمساهمة في إعادة الإعمار، ومكافحة الفساد وفق أعلى المعايير المتبعة في العالم، ولتنفيذ الحوكمة من هذا الجانب، يجب القيام بعدة خطوات بشكلها الصحيح، ومنها وضع التشريعات، والسياسات، والهياكل التنظيمية، والإجراءات والضوابط التي تؤثر وتوجه وتدير الدائرة العملية للشركات الخاصة والحكومية، وتوفر الخدمات بعدالة.
ضرورة الحوكمة
الدكتور عابد فضلية، مدير هيئة الإشراف على سوق الأوراق المالية، أشار إلى أن استخدام الحوكمة أو الإفصاح والشفافية عن كافة الإجراءات التي تؤثر على حقوق الملكية، والأداء، والأرباح، ووضع المؤسسة، يساهم في تعزيز مستوى تطبيق العمل بشكله الأمثل، وخصوصاً للشركات العامة، أو المساهمة المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية مثل المصارف، وشركات التأمين، وشركات الاتصالات، وغيرها، وبالتالي فإن الأجهزة الرقابية في هذه الحالة تكون قادرة على حماية الاستثمارات لأصحاب الأسهم الصغيرة، وبالدرجة الثانية الشركات المغفلة، ولكن في الوضع الحالي يبدو القطاع الحكومي غير معني بضوابط الحوكمة بالرغم من وجود تشريعات لضبط العمل، لأن مفهوم الحوكمة أبعد من هذه الضوابط كونها تركز على الشكل المعنوي الموثق بعدة أدوات مثل الأجهزة الرقابية في الشكل الحكومي، بينما، على سبيل المثال، لا يجوز لأي محاسب أن يقوم بعملية ضبط حسابات ما لم تتوافر فيه معايير معينة وصارمة.
ويضيف فضلية بأنه في حال تم تطبيق مبادىء الحوكمة على المؤسسات الحكومية، وإيجاد قنوات اتصال بينها وبين التشريعات الموجودة، فإن الأداء سيكون أفضل، والممارسات غير المرغوب بها ستضبط آلياً، لأن الحوكمة تبدأ من النظام الأساسي للشركة، وتمر بكافة الخطوات، وصولاً إلى المرحلة الإنتاجية على اختلافها، وللوصول إلى هذه الحالة يجب أن يتم تعديل التشريعات لتتلاقى مع مبادىء وأسس تطبيق الحوكمة بما يخلق انعكاساً صحيحاً للعمل المؤسساتي المحوكم على الاقتصاد الكلي، لأنه عندما توجد مؤسسات محوكمة تتعاون فيما بينها فستكون العلاقة أفضل وأوضح، وبالتالي فإن الاقتصاد الذي يعتمد على الحوكمة ينال مساحة أكبر من الثقة بالنسبة للمستثمرين المحليين والأجانب، وتكون العلاقة بين القطاع الاقتصادي الخاص والجهات الحكومية أفضل وذات موثوقية.
الحوكمة ومحاربة الفساد
يرى د. محمود العرق، رئيس تجمع سورية الأم، أن الحوكمة من أهم الأسس القادرة على مكافحة الفساد من خلال جملة من الإجراءات التي يتم فيها العمل بشفافية وبإدارة رشيدة للموارد تهدف إلى كشف المتلاعبين بالمال العام، وإيجاد الحلول والمعالجات الضرورية للحد من هذه الظاهرة، وتسريع عملية التنمية، والقيام بعدد من الخطوات، على رأسها تفعيل دور الإعلام، وتسليط الضوء على الفساد الإداري القائم، وربط كشف هذه الممارسات بإيجاد آليات لمكافحتها بالتعاون مع الجهات صاحبة العلاقة، ونشر قيم الأخلاق والوطنية، وتنظيم دوائر الاتصال بين مختلف الدوائر الرسمية، والعمل بشفافية، إضافة إلى اتباع الوسائل العلمية المتقدمة في الإجراءات الإدارية، ووضع نظام أرشفة حديث يعتمد على أسس تقنية واضحة، ويعمل وفق مفهوم واضح للبيانات، والحالة الإدارية، والمخرجات الإنتاجية، وإيجاد صيغة للتعاون الحكومي في هذا الإطار من خلال الربط التقني بين مختلف مؤسسات الدولة للحد من ظاهرة الروتين والبيروقراطية، وتحفيز مؤسسات الدولة نحو الإصلاح، ومواجهة الصعوبات التي تعيقها من خلال إيجاد آليات لضمان عدم عرقلة مسيرة التنمية، وتطبيق القوانين والعقوبات بحق المرتكبين من الموظفين في الدولة، أو القطاع الخاص، ويؤثر توحيد النشاط التعاقدي للدولة في الدوائر المختصة على الحد من ظاهرة الفساد بشكل كبير، والالتزام بالإجراءات القانونية عند إجراء أية عملية تعاقدية.
ويشير العرق إلى أن أهم التحديات التي تواجه مكافحة الفساد هي: الإرهاب، وانعدام الأمن، وعدم الاستجابة بشفافية في العمل، وعدم إصلاح الهياكل الإدارية، بالإضافة إلى انعدام الخبرة المهنية المطلوبة في بعض أجهزة ومؤسسات الدولة، وعدم وجود دراسة، أو وضع آليات عمل بحسب نوع النشاط، بما يساهم في مكافحة الفساد بمختلف أنواعه، وتعاون الجميع على محاربته.
ولمكافحة الفساد في القطاع العام بشكل خاص يجب وضع استراتيجية نوعية، وإعداد كوادر مؤهلة (مدربة ونزيهة)، والعمل على تنشيط العمل الرقابي، وتطبيق التشريعات في كافة مجالات العمل، وتطبيق الإدارة الرشيدة على الموارد البشرية كأول خطوة في النهوض بهذا الملف، ووضع أسس عادلة، ومعايير واضحة لكافة توجهات الدولة، بما يضمن لها ثقة العملاء بشكل مطلق.
الحوكمة وإعادة الإعمار
بينما يؤكد م. بشار عبد الله، المشرف على مشروع بناء الإنشاءات والأبنية  بطريقة القوالب المنزلقة في ريف دمشق، وأحد مشرفي مدينة الزيتون،  بأنه نظراً لما مر بسورية من أحداث مؤسفة أدت إلى نقص كبير في الموارد والمقدرات الطبيعية نتيجة الحرب الإرهابية التي تعرّضت لها، أصبحت الحوكمة (الإدارة الرشيدة) للموارد الطريق الأساسي وواضح المعالم لبناء الدولة بصورتها الجديدة، بما يمكنها من تجاوز المرحلة السابقة من خلال وضع تشريعات وشروط أكثر من كونها نظاماً إدارياً، وتأتي الحوكمة لتعزيز هذه التشريعات والشروط والضوابط، لأن المعايير المطلوبة في المرحلة القادمة التي ستشهدها سورية يجب أن تكون مقوننة بضوابط الحوكمة بكل تفاصيلها نظراً لاختلاف المعايير عن السابق، ووجوب إيجاد آليات تنفيذية وفق هذه المعايير والضوابط، ومنح الشفافية بالعمل، وتقديم البيانات الحقيقية، سواء من الجوانب المالية، أو الإدارية، أو التنفيذية، ووضع تصور حقيقي لما يجب أن تكون عليه الأمور في المرحلة الثانية من مرحلة إعادة الإعمار، وهي مرحلة بداية التنفيذ لأنها الأساس الذي ستنهض به سورية من كبوة الإرهاب الذي تعرّضت له.
تطبيقات
وحول التطبيقات العملية لاستخدام الحوكمة في العملية الاستثمارية، يؤكد د. صائب قهوجي، عضو مجلس إدارة مشروع مدينة الزيتون، أن الاستخدام الحقيقي للحوكمة في الآليات التخطيطية والإنشائية في الجوانب المالية والإدارية سيضمن انسياباً سلساً للأعمال، ويتجاوز العديد من الصعوبات والمعوقات نظراً لوجود معايير عمل حقيقية، وتخطيط صحيح، لأن الأساس الصحيح يضمن البناء السليم، وتقديمهم للبيانات الإدارية والمالية والإنشائية، وتفاصيل المشروع في مراحله المتعددة وفق القيم الموضوعة في الدراسات، سيساهم في إيجاد صلة عمل حقيقية وتشاركية مع أجهزة الدولة المختصة على اختلافها، كما سيساهم في كشف حقيقة واقعة هي البناء السليم والتنفيذ السلس للمشروع، بما يمكن الاستفادة منه بأعلى المعايير بعد الانتهاء منه ووضعه في الخدمة.
مرهف هرموش-البعث