«مداد» ينتقد ويقترح حول مشروع قانون الاستثمار الجديد: يوسّع دائرة الفساد ويغلّب المصالح الضيقة على حساب العام

«مداد» ينتقد ويقترح حول مشروع قانون الاستثمار الجديد: يوسّع دائرة الفساد ويغلّب المصالح الضيقة على حساب العام

مال واعمال

الاثنين، ٢٣ أبريل ٢٠١٨

سلّط مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» الضوء على قانون الاستثمار الجديد، الذي هو قيد التعديل حالياً في اللجنة المختصة ضمن الهيئة السورية للاستثمار، متوجهاً بالنقد للعديد من بنوده، بحسب مسوّدة مشروع القانون المقترحة، ومقدماً مجموعة من الاستنتاجات والمقترحات، على اعتبار أن المسوّدة «لا تشكل بما هي عليه، مقاربة منطقية لخلق بيئة استثمارية، يمكن الانطلاق منها، والتأسيس عليها».
وذكرت ورقة «وجهة نظر» للمركز بعنوان «حول مشروع قانون الاستثمار الجديد في سورية: رؤية إطارية من منظور نقدي»، موقّعة باسم الباحث الاقتصادي الدكتور مدين علي أن عملية تحليل بسيطة لمسودة مشروع قانون الاستثمار المقترح التي سبق أن أعدتها هيئة الاستثمار، بالتعاون مع وزارة الدولة لشؤون الاستثمار، وتم عرضها على العديد من اللجان المتخصِّصة، كلجنة البرامج والسياسات، وغيرها، تبين بوضوح، أنها جاءت مخيبةً للطموح والآمال، جراء الخلل الكبير، ونقاط الضعف المختلفة، والثغرات الكبيرة التي سيطرت على مشروع القانون، في مختلف فقراته ومواده، جراء غياب المنهجية والرؤية العلمية المتكاملة، واصفةً بعض مواد القانون وفقراته بالضبابية وعدم الوضوح، إذ وردت عبارات مطاطة، تفتح المجال لتفسيرات متباينة واستنسابية، وتقديرات جزافية، ووجهات نظر شخصية مختلفة، ما سيجعل مشروع القانون فيما لو تحول إلى قانون، مدخلاً لتوسيع دائرة الفساد، وتغليب المصالح الفئوية الضيقة، على حساب الصالح العام والمصالح العليا للدولة والمجتمع السوري، ما يعني أن مشروع القانون بصيغته الأولية المطروحة لا يعد إطاراً يكرس الشفافية والوضوح، ولا يشكل رافعة لتحفيز الاستثمار والتنمية وإعادة الإعمار؛ بل على العكس من ذلك، إذ إنه وبسبب الغموض الذي يكتنف بعض الصياغات وبسبب العبارات المطاطة والمخاتلة التي تتخلل بعض مواده، أو فقراته، قد يتحول إلى غطاء قانوني لشرعنة الفساد، ما سيزيد الطين بلة، ويضع العراقيل القانونية أمام أي محاولة إصلاح جدية وحقيقية.
ويلاحظ بصورة عامة –بحسب الورقة- أن القانون يمنح هيئة الاستثمار صلاحياتٍ ومهام إضافية، ليست من اختصاصها، ولا يمكن، ولا يجوز أن تكون من اختصاصاتها، ولا تملك من الناحية العملية، الخبرة التاريخية، ولا الإحاطة، ولا الكوادر، ولا القدرة الكافية للقيام به، وهي مهام تندرج بالأساس في نطاق مهام ومسؤوليات واختصاص هيئة تخطيط الدولة، المعنية اختصاصاً بإعداد الخطط، ورسم البرامج، وتحديد الأولويات والبرامج واقتراح السياسات.
ورأت الورقة أن صيغة المسودة المقترحة تكرس مزيداً من تركيز الصلاحيات وتركزها بيد هيئة الاستثمار على حساب البنى والمؤسسات الحكومية التخطيطية والتنموية، والقانونية والقضائية.. وغيرها صاحبة السلطة والاختصاص، وهذا غير صحيح من الناحية العملية.
وطالبت الورقة بضرورة عدم التسرع في استصدار القانون، وفتح باب المشاركة في مناقشته أمام مراكز الأبحاث والأكاديميين، ومختلف القوى السياسية والاقتصادية، التي لها كلّ الحق في المشاركة في مناقشة مشروع القانون، إضافة إلى ضرورة إعادة النظر بصلاحيات هيئة الاستثمار، وإجراء مطابقة بين قانون الهيئة، وما يتضمنه مشروع القانون المقترح، وإذا كانت مسودة القانون كما وردت، منسجمة مع صلاحيات الهيئة وقانونها، لذا يقترح إعادة النظر بصلاحيات الهيئة ومهامها، تحديداً لجهة ما يتعلق بدورها في تحديد مضمون التنمية ورهاناتها، والمناطق التنموية والأولويات والاستراتيجيات، وغير ذلك من صلاحيات ومهام، تتحدث عنها مسودة المشروع، وكأنها من اختصاص الهيئة وصلاحياتها.
وطالبت الورقة برد الاعتبار بالاختصاص والمسؤولية والمهام لجهة ما يتعلق بإعداد الخطط والبرامج ورسم الاستراتيجيات التنموية لهيئة تخطيط الدولة، وتحديد مهام هيئة الاستثمار كذراع فنية متخصصة، ينحصر دورها ومهامها وصلاحياتها في نطاق عملية الترخيص والمتابعة، وتقديم الدعم اللوجستي، بالإضافة إلى ضرورة إحداث غرف محاكم ومراكز متخصصة في عملية التحكيم وفض النزاعات والخلافات المتعلقة بقضايا الاستثمار، واستبعاد أي دور لهيئة الاستثمار في هذا السياق.
إضافة إلى صياغة مواد القانون وفقراته بعبارات واضحة وشفافة، لا تحتمل التأويلات ولا التفسيرات ولا وجهات النظر الشخصية ولا المقاربات الاستنسابية والقياسية، وصياغة القانون، بحيث يتضمن إشارة واضحة وصريحة لأسماء الجهات المتخصّصة، وعدم ترك عبارات من قبيل (الجهات المختصة)، وعدم التمييز بالمعاملات والمحفزات والتفضيلات بين مناطق متضررة، ومناطق غير متضررة، فالقانون هو قانون استثمار لكل سورية، ولجميع المناطق دون تمييز. أما بخصوص المناطق المتضررة فيمكن أن يكون لها قانون خاصٌّ بها.
واختتمت الورقة بالتأكيد على أنه في جميع الأحوال؛ إن استصدار صك تشريعي (قانون استثمار) يعد مدخلاً مهمّاً، لكنه غير كافٍ، لأن تحفيز الاستثمار يحتاج لتوافر شروط ومتطلبات أخرى، تتجاوز بأهميتها مسألة الحوافز والإعفاءات والتسهيلات التي يمكن أن يتضمنها قانون الاستثمار، منها: الاستقرار السياسي والأمني، وضوح الرؤية الاقتصادية والخيارات التنموية والقطاعية، بنية مصرفية وسياسة نقدية ومالية شفافة ومرنة، وضوح القوانين والتشريعات، استقرار السياسات والقوانين الاقتصادية، وجود أسواق حقيقية بالمعنى الجغرافي والاقتصادي، وجود قضاء عادل ونزيه وشفاف مطابق للمعايير الدولية، موارد بشرية مؤهلة ومدربة بصورة جيدة، وجود بنية تحتية صلبة وناعمة (طرق ومطارات وموانئ وسكك حديد وانترنت واتصالات وكهرباء ومياه…) قوية ومتينة، يمكن التأسيس عليها لبناء قاعدة اقتصادية إنتاجية حقيقية لمرحلة ما بعد الحرب.