خلل تشريعي أنتج إرتباكاً إجرائياً.. خطوات تبدو متوازنة نحو تخفيض الأسعار وتعديل قانوني بالمرصاد للمتجاوزين

خلل تشريعي أنتج إرتباكاً إجرائياً.. خطوات تبدو متوازنة نحو تخفيض الأسعار وتعديل قانوني بالمرصاد للمتجاوزين

مال واعمال

الثلاثاء، ١٧ أكتوبر ٢٠١٧

اصطفت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وأخذت على عاتقها البحث عن كل السبل والوسائل التي تمكنها من إحكام قبضتها على تجار الأزمة، ومناوراتهم العديدة والمختلفة لرفع أسعارهم، ومد سيطرتهم على      السوق السورية بما فيها من منتجات مستوردة ومحلية، ووضع السعر الذي  يناسب أرباحهم الفاحشة، فلم يستحِ يوماً تاجر الأزمة من جشعه واستغلال حاجة الناس، خاصة أنه لم يواجه رادعاً حقيقياً لتجاوزاته، وتطاوله على القانون والمجتمع، وإذا كنا سنعوّل على الضمير والإنسانية لدى هذا النوع من التجار، فهذا يعني أننا “ننقل الماء بالغربال”،  أي إنه لا جدوى مرجوة من الأساليب الدبلوماسية والتوجيهية التي كانت تعتمدها وزارة التجارة سابقاً، ما دفعها إلى رسم خطة عمل أكثر جدية بالتعامل مع كل من يخترق الأنظمة والقوانين، ويتلاعب بالأسعار الموضوعة من قبلها، وهنا لابد أن نلفت الانتباه إلى أن التاجر لن يتنازل عن ربحه مهما كلفه الأمر، وسيسعى جاهداً لاختلاق الحجج الواهية لدعم موقفه الجشع تماماً كما فعل حينما انخفض الدولار، ولم تنخفض الأسعار، وقام باحتكار المواد الغذائية كالسكر وغيرها لفرض سعره، ولذلك لن يكون من السهل على الوزارة فرض كلمتها إلّا من خلال عقوبات حقيقية توقف تمدد الأذرع الجشعة في السوق كمنع المتلاعبين من الاستيراد، أو التصدير، وغير ذلك من الطرق التي توضح للتجار أنه ليس وحده من يريد العمل والعيش الكريم.

لن يقتصر توجه الوزارة نحو تخفيض الأسعار على المواد الغذائية الأساسية، بل تعمل على تسعير كافة المنتجات وبمختلف أنواعها

عمل الوزارة لتخفيض الأسعار لم يمر بسهولة، فقد علت أصوات بعض التجار الذين رفضوا الانصياع للقوانين والأنظمة

إجراءات رادعة

لا يحق لنا نكران  جهود وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، فالواقع يثبت عملها الدؤوب، وتواجدها الدائم في الأسواق كمراقب على عمل التجار وأسعار السوق، كما أنها استطاعت في الآونة الأخيرة من السيطرة على أسعار البيض واللحوم وتخفيضها، إذ أكد معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال الدين شعيب أن الوزارة لن تتهاون مع المتطاولين على القانون، وستفرض على الأسواق الأسعار المنطقية التي تتناسب مع ربح معقول للتاجر، وسعر يتناسب مع المواطنين، وتحقيق المعادلة التي تضمن حقوق الجميع، ويتابع شعيب: نحن لسنا ضد التاجر أو الصناعي المحلي في حال قدّم لنا بيانات التكلفة التي على أساسها يتم وضع السعر المعقول، أما المتهربون من بيانات التكلفة والمتلاعبون فيها لن نتساهل بالتعامل معهم، وسيتم اتخاذ الإجراءات  المناسبة بحقهم، علماً أن الوزارة ستعمل على تعديل القانون /14/ لعام 2015 الذي سيسمح لنا باتخاذ عقوبات رادعة بحق المتجاوزين للقوانين والأنظمة، ولمن لا يلتزم بالأسعار التي تضعها  الوزارة.

بنود التكلفة

هناك من يتهم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالتقصير وضعفها أمام سطوة التجار وأعذارهم وأسبابهم التي تتلون مع مصالحهم، أي إن لديهم لكل سؤال جواباً يحميهم من مسألة القانون، مديرالأسعار في الوزارة نضال مقصود يؤكد أن سلطة القانون فوق الجميع، حيث بدىء العمل على دراسة بعض السلع، وتحديد تكلفتها الحقيقية، وهامش ربح التاجر أو البائع، وقمنا مؤخراً بجولات عديدة على محلات المعجنات برفقة فريق فني من الوزارة، وتم فرز بنود التكلفة بشكل دقيق ووفق المعايير التي تم وضعها لكل نوع من أنواع المعجنات، وبعد كشف التكلفة الإجمالية تم وضع الأسعار بإضافة ربح 20% للمنتج، وعلى أساس ذلك تم تخفيض سعر المعجنات حالياً، والعملية نفسها تم إجراؤها على مادة المتة والزيت والسكر، حيث قمنا بزيارة معمل المتة والذي يعتبر الموزع الأساسي لهذه المادة مع فريق فني، واطلعنا على واقع الإنتاج ومراحله وتكاليف استيراد المادة الخام ورول الورق المستخدم لها، علماً أن معامل المتة في يبرود وما حولها تعمل بطاقتها الإنتاجية العالية، ولا يوجد عليها أي ضغوط بعد أن فرض الجيش الأمن والاستقرار في تلك المناطق.

سبل التخفيض

لن يقتصر توجه الوزارة نحو تخفيض الأسعار على المواد الغذائية الأساسية، بل تعمل على تسعير كافة المنتجات وبمختلف أنواعها، لكن هذا يحتاج إلى بعض الوقت، وبحسب مدير حماية المستهلك في الوزارة حسان نصر الله، الوزارة تعمل على وضع عدة قرارات تمكنها من العمل بشكل متواز ما بين اختلاف سعر الصرف، وقيمة السلع المطروحة في الأسواق، وهناك دراسة لتخفيض العديد من السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية نظراً لاستقرار سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، وانخفاض تكاليف نقلها، ومستلزمات تصنيعها، بالإضافة إلى إيجاد كل السبل التي تضمن توفير مختلف المواد بمواصفات ونوعية جيدة، وبأسعار معقولة، أما الأسعار التي حددتها الوزارة فكانت كالتالي: سعر مادة السكر للكيلوغرام الواحد بالجملة 270 ليرة سورية، وللمستهلك 290 ليرة بعد أن كان 310 ليرات، أما سعر لتر مادة الزيت النباتي بالجملة 620 ليرة، وللمستهلك 650 ليرة بعد أن كان 720 ليرة، ومادة المتة بكل أنواعها ومسمياتها عدا “الببورين”، أصبح سعر مبيع العبوة سعة 250 غراماً بالجملة 270 ليرة، وللمستهلك 290 ليرة بعد أن كان سعر العبوة 400 ليرة، أما العبوة ذات السعة 200غ فسعر مبيعها بالجملة 225 ليرة، وللمستهلك 250 ليرة، كما تم تحديد سعر متة “الببورين” سعة 250 غراماً بـ 275 ليرة بالجملة، و 300 للمستهلك، ويضيف نصر الله: ستتم مراقبة السوق من خلال دوريات تموينية، ومخالفة كل من لا يلتزم بسعر الوزارة، ومعاقبة متجاوزي القوانين، وسيتم نشر صور لمحلات المخالفين بواسطة  مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتعرف عليهم المواطنون.

نظرة تاجر

عمل الوزارة لتخفيض الأسعار لم يمر بسهولة، فقد علت أصوات بعض التجار الذين رفضوا الانصياع للقوانين والأنظمة، وحاربوا القرارات التي تخفض أرباحهم، لنسمع العديد منهم يتهمون بلد المنشأ للسلع التي خفضت كالزيت، والسكر، والمتة، ومنهم من أشار باصبع اتهامه للدولار، رغم أنهم لا يشيرون له في حال انخفاضه، ليس هذا فقط، فهناك من هدد برفع الأسعار أكثر بحجة ارتفاع التكلفة.. رئيس غرفة التجارة بدمشق غسان القلاع بيّن أن السؤال الأهم: كيف يمكن للتاجر تقديم بياناته إذا لم يكن هناك بيان واضح لعملية تمويل المستورد، فمعظم التجار لا يعتمدون على تمويل المصارف، وفي هذه الأحوال، كيف يمكن لهم تقديم البيانات، واحتساب التكلفة بسعر الشراء من بلد المصدر؟ ويتابع القلاع: إن الوزارة يجب أن تحدد سعر التكلفة إذا كان المعتمد بالسعر الآني أو بسعر الشراء للمادة، وإذا كان التمويل مصدره المصرف، فيجب أن تتوفر كل الثبوتيات لدى التاجر، منها تكلفة الشحن من الميناء لبلد المنشأ للمواد القادمة إلينا عن طريق بوليصة الشحن من ميناء الوصول إلى المستودعات وأماكن الاستهلاك، إضافة إلى بيان نفقات تخليص البضاعة، والمترتب عليها من أجور، بالإضافة إلى أجور النقل الحقيقية، مع تكاليف التخزين والتغليف، مع حساب نسبة ربح المستورد وتاجر الجملة، ويذكرنا القلاع بأن هناك نسبة تسليم تصل إلى 15%  للمؤسسات الحكومية.

دكاكين

يبقى الجدل مفتوحاً ما بين تاجر يبحث عن الربح الفاحش، والوزارة التي تسعى جاهدة وبشق الأنفاس للتحكم بالأسواق المحلية، وخلق التوازن السلعي والأسعار ما بين تاجر ومستهلك، فالوزارة هي صوت المواطنين، والجهة الرسمية التي تدافع عن حقوقهم في تلبية احتياجاتهم، ومتطلبات حياتهم في ظل ضعف القدرة الشرائية، وهنا لابد لنا أن نذكر بأن مفهوم الدكاكين يسيطر على نسبة كبيرة من سلوكيات تجارنا، ما يدفعهم للاحتكار، ورفع الأسعار، علماً أن النظريات الاقتصادية العالمية تثبت بأن البيع بسعر منخفض وبكميات كبيرة يعطي نسبة أرباح عالية، مع ميزة إنفاق البضاعة، أي الانتهاء من تكديس البضائع، وتعريضها للتلف!.
ميادة حسن- البعث