بضائع غير عادية تستقطب الناس.. وجدوى اقتصادية ضائعة في اقتصاد الظل

بضائع غير عادية تستقطب الناس.. وجدوى اقتصادية ضائعة في اقتصاد الظل

مال واعمال

الخميس، ٩ فبراير ٢٠١٧

بحذر وحرص يُخرج أبو لؤي سبحة جميلة تنتهي بشرّابة مؤلفة من ثلاث ليرات فضية، يقول: إن ما يعرضه أمامنا بضاعة خاصة جداً، لا يمكن لأي أحد شراؤها، وهي باختصار ثروة حقيقية باهظة الثمن، فحبات السبحة التي أخرجها مكونة من الكهرمان النادر، ويتجاوز ثمنها الـ 300 ألف ليرة سورية، يتوفر عند “أبو لؤي” الذي نصب بسطة صغيرة في المنطقة المجاورة لشارع الثورة في العاصمة دمشق، ومجموعة متنوعة أيضاً من مسابح الأحجار الكريمة، وخواتم الفضة مختلفة المقاسات والأشكال بأسعار بدت أكثر منطقية، وفي ذلك السوق الشعبي الذي يمكن تصنيفه كنموذج لأسواق شعبية كثيرة تنشط اليوم أيضاً، وتزداد بسطات كثيرة، تفرد عليها بضائع متنوعة منها القديم والمستعمل، ومنها الرخيص أو المرتفع الثمن، ومنها المألوف، أو النادر في ظل منطق بيع سائد يعتمد على المهارة والشطارة وطبيعة الزبون المستهدف، وظروف اقتصادية متردية يعاني منها سواد السوريين الأكبر، لتكون تلك الأسواق متنفساً عند البعض، ومحط استياء أيضاً عند بعضهم الآخر لغياب الرقابة والتنظيم عن الكثير منها.
كل شيء متوفر
في مكان آخر من السوق نفسه يتفحص أبو كرم جاكيتاً رجالياً مستعملاً من الجلد الطبيعي على بسطة للملابس المستعملة، تبدو السترة في حالة مقبولة، ويقول الرجل بعد عزمه على شرائها: إن سعرها أوفر بكثير من المتوفر في الأسواق، أضف إلى ذلك: إنها بضاعة أوروبية ذات جودة عالية، في حين يبحث أبو هاني، الرجل الستيني، وصاحب الخبرة والدراية بالالكترونيات والكهربائيات عن بعض القطع القديمة الموزعة على بسطة تضم أدوات كهربائية مختلفة، معظمها دخل طور التنسيق، ويقول الرجل: إنه قد يجد فيها ما يفيده مثل المحركات والمكثفات، أو دارات وقطع تبديل، مؤكداً جودة بعض تلك القطع، كونها ذات منشأ أصلي، وليست صينية، أو مقلدة، ويضيف: من النادر جداً توفر هذه الأشياء في أسواق أخرى. في سوق المتعيشين والبسطاء يمكنك أيضاً أن تجد أشياء كثيرة وملفتة لن تتوقع وجودها، كخواتم الفضة والنظارات الطبيبة أو الشمسية، والنحاسيات، والزجاج، والألبسة المستعملة، والساعات الأصلية القديمة وغيرها من الخرداوات الغريبة لتقف أمام حقيقة، مفادها أنك في سوق كل شيء، لكن الغريب والملفت أن أسعار بعض تلك القطع لم يكن بالرخص الذي وصف لنا، خاصة أسعار الألبسة المستعملة التي يباهي باعتها أنها بضاعة أجنبية وذات منشأ أوروبي دون إثبات لحديثهم، فيطلبون أسعاراً غالية لقاء الحصول عليها.

ثقافة استهلاكية متردية
يؤكد الدكتور شادي بيطار، المدرّس في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، حقيقة زيادة الأسواق الشعبية، وما أسماها أسواق “البسطات” نتيجة الأزمة السورية، وانخفاض القدرة الشرائية عند الكثير من السوريين، ما دفع الناس للتوجه إلى هذه الأماكن التي تندرج غالباً وتصنف ضمن اقتصاديات الظل، لكن د. بيطار يميز بين الخفي منه والمعلن، فهذه الأسواق في حالات كثيرة تكون تحت معرفة الحكومة، وبتسهيلات منها، لكن الأنشطة التي تجري فيها، والتهرب من الضرائب، هما ما يمكن الحديث عنه، ما يضعنا أمام حالات انفلات ضريبي، وثقافة استهلاكية متردية، إضافة إلى أن السلع الموجودة فيها ذات جودة منخفضة جداً، وسلع مستهلكة، وهذا يضر بالسلع النظامية، والاقتصاد المحلي، لكن الحالة الإيجابية التي يمكن أن نراها هي الفارق السعري الكبير والشاسع الملاحظ عند إجراء مقارنة في الأسعار، وخاصة بالنسبة لملابس الأطفال مثلاً التي توجد في تلك الأسواق بأسعار مغرية، وجودة لابأس بها، كذلك بالنسبة للخرداوات التي قد يلجأ لها بعض الصناعيين الصغار للبحث عن قطع مستعملة منها، لذلك هذا أمر جيد على المستوى الفردي بالنسبة للمهنيين الصغار، ويرى د. بيطار أخيراً أنه يجب أن تتوجه أنظار الحكومة تجاه هذه الأسواق، وتقوم بتنظيمها، ومراقبتها، وضبطها، بحيث تكون حالة إيجابية في الاقتصاد الوطني، دون التفكير إطلاقاً بمكافحتها، كونها تؤمن دخلاً لأعداد كبيرة من الأسر، وتلبي حاجات بعض المهنيين.
حالة شعبية متوارثة
يتفق الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية مع الطرح الذي قدمه د. بيطار، حين وصف تلك الأسواق بأنها حالة شعبية متوارثة، ولا يمكن تصنيفها كحالة سلبية بالمطلق، فهي موجودة في كل دول العالم، وبتسميات مختلفة، كما أنها موجودة في سورية منذ زمن طويل، ويتحدث د. فضلية عن تجربة شخصية باقتنائه بعض النحاسيات القديمة من هذه الأمكنة، كونها غير متوفرة في الأسواق العادية، وهي أشياء خاصة جداً، فمثلاً يمكن أن تجد القيشاني القديم، وهاون النحاس، وغير ذلك من الأشياء المتوارثة والشعبية في هذه الأسواق، ويضيف: خلال الأزمة لوحظ فعلاً ارتفاع نشاط هذه الأسواق، فشهدت توسعاً ملحوظاً، (سوق العتايق- أسواق الجمع)، حيث دخل إليها أناس لم يكونوا سابقاً جزءاً من السوق، كذلك توسع السوق، وأصبح فيه عارضون جدد يقومون ببيع أغراضهم بدلاً من رميها، ويجب التنويه بأن هذه الأسواق تندرج وتصنف كجزء من اقتصاد الظل، فالأنشطة التي تحدث فيها متنوعة، وغير ثابتة، أو مضبوطة ومراقبة، إضافة لكون السلع فيها متدنية النوعية، لذلك يرى د. فضلية ضرورة ضبط هذه الأسواق، وإيجاد صيغة معينة لتصبح ذات فائدة اقتصادية، وجدوى في المجتمع السوري الذي يعتمد في شرائح واسعة منه اليوم على هذه الأسواق.
محمد محمود