الدولار يهوي أمام الليرة السورية..

الدولار يهوي أمام الليرة السورية..

مال واعمال

الخميس، ٢ يونيو ٢٠١٦

 لا شيء يطغى، في اهتمامات السوريين اليوم، على حديث الدولار والليرة السورية.

فهبوط الدولار الكبير اليوم مقابل الليرة، وكذلك صعوده الصاروخي منذ نحو شهر، هما الشغل الشاغل للمواطن السوري، متجاوزاً ربما اهتمامهم المزمن بآخر أخبار المعارك وتحركات الجيش والهدنة وخروقها.

وقد أسفرت سياسة التدخل المالي التي انتهجها المصرف المركزي السوري أخيراً، إلى جانب عوامل أخرى غير مفهومة – على الأقل  بالنسبة إلى الشارع السوري –، بانخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، وصولاً إلى مستوى 370 ليرة تقريباً في بعض الأسواق، وهو يعادل ما كانت عليه قبل أشهر من الآن.

جدل "افتراضي"

يبتدع السوريون كل ما تسعفهم به مخيلاتهم لمحاولة فهم هذا التحول الدراماتيكي في سعر صرف الدولار، وتعج صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بتحليلات من كل نوع: منهم من يعزو الأمر إلى قرار اتخذ على أعلى المستويات لوضع حد لتدهور العملة الوطنية الذي فاق كل حد. فيما يرد آخرون هذا التحسن الأخير إلى دعم غير محدود من قبل "حلفائنا"، والمقصود طبعاً روسيا وإيران. و يصر جزء ثالث "شكاك" على عدم جدوى هذا التدخل، مقللين من أهمية هذا التطور، ومشككين بإمكانية صموده في ظل فشل محاولات ضبط سابقة؛ والأهم شح الإنتاج وندرة التصدير، باعتبارهما المصدر الأهم للعملة الصعبة.

وكان الدولار قد سجل ارتفاعاً قياسياً لامس فيه سقف الـ650 ليرة الشهر الماضي، وأعلن المسؤولون الحكوميون حينها أن الارتفاع ليس منطقياً، ومرتبط بالمضاربة المحلية والإقليمية على العملة المحلية.
غير أن خبراء يقولون الأمر نفسه عن الانخفاض المفاجئ، الذي ارتبط حصراً بطبيعة تدخل المصرف المركزي، الذي فرض على الصيارفة شراء كميات كبيرة من الدولار بسعر محدد مقابل التهديد بالإغلاق.

في المقابل، لا يستبعد مراقبون أن تكون الحكومة قد لجأت، ولو بشكل محدود، إلى الخطوة التي نصح بها خبراء ماليون منذ بداية الانخفاض المتسارع لسعر صرف الليرة، والمتمثلة بسحب بعض السيولة النقدية الموجودة في الأسواق، لتكون قريبة من الكمية السلعية المطروحة في الأسواق. غير أن الكميات التي طرحها "المركزي" من الدولار، وعمليات البيع التي قام بها مختلف المواطنين لا توحي بأن كمية الليرة، التي سحبت من جراء ذلك، كانت مؤثرة إلى هذا الحد.

ونجح الإجراء، كما يبدو في الوقت الراهن، علماً أنه سبق اتخاذه في أوقات سابقة، وصولاً إلى حدود كان فيها سعر الصرف الرسمي أعلى من سعر صرف السوق السوداء. بيد أنه عاود الصعود لأسباب متعددة لاحقاً.

دعوة إلى "التثبيت"

وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي قالت في تصريح خاص لموقع"RT" إن السبب المباشر لارتفاع قيمة الليرة السورية مقابل الدولار هو "تدخل البنك المركزي بشكل قوي وفاعل، وليس لأسباب اقتصادية؛ لأن سعر صرف الدولار كان قد ارتفع بأكثر من 100 ليرة خلال أقل من شهر، ولم تكن أسباب ارتفاع سعر الدولار حينها اقتصادية أيضاً، بل مضاربات جرت في السوق السوداء".

الدكتورة عاصي أكدت أن "نتائج التدخل إيجابية، وتصب في مصلحة الناس لأنه سيرفع القوة الشرائية لدى المواطن".

من جانب آخر، نفت الوزيرة السابقة أن يكون التحسن الأخير لسعر صرف الليرة مرتبطاً بأي مساعدات من دول صديقة.

ودعت عاصي المركزي إلى الاستمرار في الدفاع عن سعر الصرف لتثبيته عند مستوى معين؛ مشيرةً إلى أنه "خطوة ضرورية وأساسية في رفع الاقتصاد الوطني بشكل عام من خلال تعزيز القدرة الشرائية لدخول الناس بشكل عام".

لكنها ربطت نجاح الأمر في النهاية بدوران عجلة الإنتاج والتصدير لأن "ثبات واستقرار سعر العملات الأجنبية مرتبط بشكل كبير بالناتج المحلي الإجمالي".

التجار.. خارج الحفلة

 التحدي الأهم الذي ينتظر الحكومة اليوم يتعلق بأمرين اثنين: الأول، قدرتها على تحقيق استقرار طويل الأمد لسعر صرف الليرة، وبالتالي المحافظة على التحسن الذي حققه مؤخراً. والأمر الثاني يتعلق بانعكاس ذلك التحسن على أسعار السلع والمنتجات في الأسواق المحلية، والتي كانت قد شهدت ارتفاعاً كبيراً مع وصول سعر الصرف إلى نحو 650 ليرة.

وينتظر المواطن أن تنعكس آثار سياسة التخفيض هذه على أسعار السلع، التي شهدت صعوداً صاروخياً في الأسابيع الأخيرة، ولا سيما أن شهر رمضان على الأبواب.

ولكن التجار لا يزالون يماطلون في ترجمة هذا التحول الكبير في سوق الصرف على أسواق السلع ، فمنذ  نحو أسبوع عندما بدأ سعر الدولار بالتراجع، لم يلحظ المواطن السوري أي تغييرات تذكر في أسعار السلع الاستهلاكية؛ حيث يتذرع التاجر بأن بضاعته المعروضة مستوردة على أساس السعر القديم المرتفع، رافضاً البيع "بخسارة". وعلى الرغم من أن بعض السلع بدأت أسعارها بالهبوط، فإن ذلك كان على استحياء وبقيمة غير معتبرة.

مسؤولون حكوميون، وعلى رأسهم رئيس الحكومة وائل الحلقي، أكدوا صراحةً اتخاذ إجراءات بحق كل من يتوانى من التجار والباعة عن استيعاب التحول الجديد؛ معلنين عن البدء بتسيير دوريات تموينية لمراقبة الأسواق وحركة الأسعار. لكن تجربة السوريين مع هؤلاء وقلة أعدادهم أصلاً لا تدفع إلى الثقة بنتائج ملموسة قد تخفف عنهم وطأة الغلاء والفقر الذي بات يستنزفهم كما الحرب.. وربما أكثر.

علي حسون