رؤية اقتصادية بأفكار نقابية جردة حساب لمحصلات الأزمة وأرقام السوق والصندوق الاجتماعي والاقتصادي…

رؤية اقتصادية بأفكار نقابية جردة حساب لمحصلات الأزمة وأرقام السوق والصندوق الاجتماعي والاقتصادي…

مال واعمال

الأربعاء، ٦ أبريل ٢٠١٦

ارتفاع جنوني في أسعار السلع والمواد الأساسية، وانعدام القوة الشرائية لليرة السورية وسط نقص حاد بالسلع في الأسواق، وتدني المستوى المعيشي للمواطن السوري  بخط انحدار جنوني.. بهذه الكلمات لخّص عمر حورية، أمين الشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام لنقابات العمال، الواقع الاقتصادي العام، والحالة المعيشية للطبقة العاملة، وطبعاً الحديث الاقتصادي مع حورية كان مشحوناً بالفكر النقابي الذي يضع مصالح الطبقة العاملة في مقدمة أولوياته، ويعتبرها البوصلة التي توجه عمله النقابي، ولن ننسى هنا التأكيد على أن القيادة النقابية استطاعت تقديم نفسها كشريك حقيقي في مختلف الميادين، وقد استعادت دورها وفاعليتها داخل الأوساط العمالية والإنتاجية، والحياة العامة منذ أن أعلن جمال القادري، رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، عن برنامج عمل النقابات للدورة السادسة والعشرين التي شهدت الكثير من الخطوات والإجراءات النقابية الفاعلة والحاضرة في مختلف الميادين.
مؤشرات وأرقام
المؤشرات الاقتصادية في المجتمع السوري كانت فاتحة حوارنا مع حورية الذي أعاد أسباب تراجعها إلى تراجع الكتلة السلعية المتمثّلة بتراجع الإنتاج الزراعي: (النباتي والحيواني، والإنتاج الحرفي، ومنتجات الصناعة التحويلية).
وتراجع حجم ومستوى نشاط القطاعات السياحية، والمالية، والخدمية، والإنتاجية، إضافة إلى التراجع الشديد في أنشطة وحجم قطاع التجارة، ودور مؤسسات التدخل الإيجابي، ومنع سياسة الاحتكار، وتعطل الكثير من منشآت وشركات القطاع العام الإنتاجي، وتقلّص الأنشطة الإنتاجية في العديد من منشآته وشركاته الأخرى.
وفي المقابل كان لحورية رأي في تراجع المؤشرات الاجتماعية، والمعيشية المتمثّلة بتفاقم مشكلتي البطالة والفقر، وارتفاع الأسعار، حيث يرى أنه بالتزامن مع زيادة الاعتماد على الواردات لسد حاجات الطلب المحلي، نظراً لتدهور الإنتاج، ارتفعت الأسعار بشكل جنوني بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، والنقل، والشحن، وارتفاع أسعار القطع الأجنبي في السوقين النظامية، والسوداء، وأدى ذلك بدوره إلى تراجع القوة الشرائية، ومستوى المعيشة لشرائح عريضة من المواطنين، وخاصة أصحاب الدخل المحدود!.
ولم يتوان حورية في إلقاء المسؤولية على ضعف الرقابة التموينية الحكومية، وشيوع احتكار القلة، وعلى رفع الجهات الحكومية لأسعار الفيول، والمازوت والبنزين والكهرباء والماء والاتصالات الهاتفية، ورسوم العديد من الخدمات الحكومية والعامة الأخرى، وحمّل حورية تلك السياسة مسؤولية التسبب بالفوضى والعشوائية في عرض السلع وتسعيرها، وبالتالي تراجع القوة الشرائية، وتدني مستوى المعيشة، واعتبرها (تقليصاً قسرياً للدعم)!.

سلة العملات
حديثنا عن الواقع الاقتصادي كانت فيه وقفة طويلة في سوق الصرف، حيث راجعنا مع حورية أبرز مراحل ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة السورية منذ بداية الحرب على بلدنا 2011، فبعد أربعة أشهر منذ بداية الأزمة السورية في منتصف آذار عام 2011،  والكلام لحورية، ارتفع من (47) ليرة سورية  للدولار الواحد إلى (50 ) ليرة سورية، حيث بدأت الليرة السورية بالتراجع أمام سلة العملات الرئيسية، وبضغط من عقوبات أوروبية وعربية جائرة، وفي بداية عام 2012 بدأ تأثير العقوبات بشكل ملحوظ على الليرة السورية، إذ تراجع سعر الصرف إلى  (54.63) ليرة سورية، والنتيجة خسرت الليرة أكثر من 16% من قيمتها!.
وفي آذار 2012 بلغ سعر الدولار (100) ليرة سورية للمرة الأولى في نهاية  عام 2012، ونجح المركزي بخفض سعر الدولار إلى (70 ) ليرة، وارتفع معدل التضخم إلى 50%.
وطبعاً حورية الذي كان يشدد على ضرورة محاسبة المضاربين في سوق الصرف، وعلى مساهمة الجميع في دعم الليرة، وخاصة المغتربين، تابع حديثه عن واقع الصرف في بداية عام 2013، حيث تجاوز الدولار(100) ليرة سورية، وفي آذار  ارتفع إلى (150)  ليرة، وكان لقرار المصرف المركزي  في حصر إعطاء الحوالات  الواردة من الخارج بالليرة السورية  دور كبير  في رفع سعر الصرف،  وفي بداية عام 2015 كان هناك ارتفاع مفاجئ  بعد ثباته لمدة عام، حيث قفز الدولار  إلى (210 ) ل.س بسبب استمرار عمليات المضاربة على الليرة السورية وفشل البنك المركزي في تثبيت  سعر الدولار،  وقفز إلى ( 305)  ليرة سورية،  وظل سعر الصرف يرتفع  بعدما فشلت  سياسة المركزي  في تثبيت  السعر عند حد معين،  ونتيجة هذا الفشل غير المعلن كان هناك ارتفاع قياسي في  سعر الدولار أمام الليرة السورية في عام 2016.

دور هام
من سوق الصرف والحديث عن أزمة الليرة انتقلنا إلى موضع آخر شغل الرأي العام والحركة النقابية خلال الأشهر الماضية، حيث كانت تشاركية العام والخاص من بين الموضوعات التي ناقشناها مع حورية والذي  قدّم لنا الرؤية النقابية بهذه التشاركية التي تعوّل  دورها الهام في التنمية الاقتصادية بشكل عام والتنمية الصناعية بشكل خاص وفي تطوير نموذج وطني للتنمية والإصلاح الاقتصادي في سورية لما يتمتع به القطاع المشترك الصناعي  من مزايا عديدة لا تتوفر بسهولة في القطاعات الأخرى.

ذات أولوية
ولخص حورية مزايا القطاع المشترك  بتوسيع نطاق الملكية، إذ يشمل بالإضافة إلى القطاع العام والمستثمرين الرئيسين من القطاع الخاص المساهمين الصغار من المواطنين، حيث يساهم في  استقطاب  وتعبئة المدخرات المحلية  ويشيع الثقة والطمأنينة الضرورية لدى صغار المساهمين مهما كانت نسبة مساهمة الدولة ضئيلة  في هذه المشاريع،  كما يخفف الضغط على الموازنة العامة للدولة وبشكل خاص برنامجها الاستثماري من خلال تنفيذ مشاريع هامة ذات أولوية  تهم الاقتصاد الوطني باستثمارات حكومية قليلة تغطي جزءاً من تكاليف هذه المشاريع  ويتيح  هامشاً” واسعاً” من المرونة في العمل وتجاوز سلبيات ومشاكل الإدارة العامة والرسمية في سورية ونقل وتوطين التكنولوجيا  وأساليب الإدارة الحديثة.

صوابية التوجه
توجّه الدولة فيما يتعلق بالقطاع المشترك الصناعي ـ ولاسيما بعد الخراب والتدمير الممنهج للشركات  الصناعية في سورية، كان توجهاً سليماً وصائباً  في رأي حورية  لاستقطاب رؤوس الأموال ولإقامة مشاريع صناعية في سورية وتحقيق أسواق أوسع   لمنتجات هذه المشاريع  وخاصة في مرحلة إعادة الإعمار.
ولم يخف حورية  مخاوفه من وجود مشاكل قد تعترض القطاع المشترك الصناعي  والتي تتباين  بتباين نشاطه والقوانين التي تحكم عمل شركاته، ولكن  من أهم مشاكله عدم وجود مرجعية واحدة للقطاع المشترك الصناعي  تتابع أنشطته وتعالج مشاكله وترعى شؤونه وتساعد على تطويره وتوسيعه، حيث يتوزع الإشراف على القطاع المشترك الصناعي بين وزارة الصناعة ووزارة الاقتصاد ووزارة المواصلات ووزارة المالية  بكل ما يعنيه هذا التشتت من هدر للموارد والإمكانيات، هذا إضافة إلى  عدم بذل العناية اللازمة والمطلوبة  في اختيار قيادات هذه الشركات وممثلي القطاع العام أو الدولة في  مجالس إدارتها، حيث يتم الاختيار في معظم الأحيان في إطار سياسة التنفيع وحصر المزايا والمنافع  بالعلاقات والصلات الشخصية المعروفة  بعيداً” عن معيار الكفاءة والنزاهة.

تفعيل الدور
ولتفعيل دور القطاع المشترك الصناعي  تقترح النقابات، كما بيّن حورية، منح مزايا لشركات القطاع المشترك بشكل يشجّع على انتشارها واختيار المشاريع  ذات الأولوية للاقتصاد الوطني مع ضمان مزايا تفضيلية لها ولفترات محددة تتناسب مع أهمية المشروع وأدائه سواء بالنسبة للقيمة المضافة أو إمكانياته التصديرية  والإعلان عن هذه المشاريع على أساس مناقصة عالمية لتوريد التجهيزات والمشاركة بنسبة محددة في رأسمال المشروع واعتماد وزارة الصناعة  كمرجعية وحيدة للإشراف على  القطاع المشترك الصناعي.

مطالب ملحّة
الجعبة التي يحملها كل نقابي مليئة بالمطالب التي تنتظر الولوج إلى ساحات التنفيذ إلا أن هذه الجعبة تحمل أيضاً العديد من الرؤى والأفكار البنّاءة التي تخدم مصالح الطبقة العاملة والمجتمع بأكمله، وهنا نتوقف مع بعضها والتي طرحها حورية، فأكد أنه لا يمكن الاعتماد في الحياة الاقتصادية على الدولة فقط، والخيار الأمثل الذي ثبتت فعاليته الأخذ باقتصاد السوق وبضرورة تدخل الدولة الذكي لتصحيح انحرافاته وضمان استقراره  ولتوجيه الموارد، ودعا إلى  الاهتمام بقوانين المنافسة وحماية المستهلك لأنها تساهم في زيادة الكفاءة الإنتاجية لكل القطاعات وإيجاد تكافؤ في الفرص ضمن الأسواق لأنها تضمن حماية الشركات الصغيرة والمتوسطة، فالمنافسة بين الشركات ستؤدي بالنتيجة إلى خفض الأسعار.
ومن المطالب الملحّة التي وجدناها في جعبته النقابية تقليص هيمنة وكسر احتكار القلة وخاصة في أسواق السلع الغذائية والضرورية وضرب ممارسات الفساد التي يمارسها تجار الاحتكار القلة النافذين في السوق من خلال إعادة النظر بقانون تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار لعام (2008).
بشير فرزان-البعث