خسائر اقتصادية لارتكاسة آليات ضبط الجودة في أسواقنا..ضغط النفقات غيب المعايير وحيَّد البرامج

خسائر اقتصادية لارتكاسة آليات ضبط الجودة في أسواقنا..ضغط النفقات غيب المعايير وحيَّد البرامج

مال واعمال

الأربعاء، ٢ مارس ٢٠١٦

سبق أن عانى السواد الأعظم من مجتمعنا من تدني مستوى الشواحن الصينية التي سرت في أسواقنا كالنار في الهشيم إثر زيادة ساعات التقنين خلال سنوات الأزمة، ونكاد نجزم أن معظم بيوت السوريين أصبحت زاخرة بعشرات ماركات هذا المنتج الرديء، ولعل سرّ الإقبال على تجريب هذه الماركات عسى أن يحظى هذا السواد بماركة تتمتع بمواصفات مقبولة، هو انعدام جودة جُلّ أصناف هذا المنتج وذلك نتيجة عدم اعتماد أي منها لشهادة جودة من أية جهة رسمية حكومية، أو منظمة مخوّلة إعطاء الأيزو أو ما شابه، والأخطر من ذلك أنها تحوّلت إلى نفايات خطرة زادت من أعبائنا البيئية، إذ يؤكد العارفون أن مُدّخرات هذه الشواحن تحوي على مادة الرصاص السامة وهو المعدن السام الوحيد الذي تنتقل أعراض التسمّم به إلى الأجنة…!.

حالياً وبعد أن حلّت “الليدات” محلّ تلك الشواحن السيئة الصيت، برزت مشكلة أخرى لا تقل خطورة عما ذُكر آنفاً، تتمثل بتدني جودة ومستوى البطاريات المستوردة المشغّلة لـ”الليدات”، في ظل غياب الرقابة –أو ربما انعدامها- على مثل هذه المنتجات ومعرفة مدى مطابقتها للمواصفات والمقاييس المعتمدة..!.

على حسابنا..!
ما سبق يدحض ما يُشاع عن مفهوم الجودة أنها (تندرج تحت إطار الترف والرفاهية وليس ضمن إطار الأولويات)، ولنا أن نتخيّل حجم الهدر والخسارة المحققين نتيجة استيراد بضائع لا تحمل شهادات الجودة والأيزو وإن كانت زهيدة الثمن مقارنة مع نظيراتها المشهود لها، ولنا في مثالنا السابق خير دليل، ليس هذا فحسب بل يشي بأن ثمة طبقة أرستقراطية جديدة بدأت تنمو من ثنايا الأزمة، تندرج تحت مسمّى “حديثي النعمة”، هذه الطبقة بدأت تنتعش شيئاً فشيئاً على حساب المقدّرات الاقتصادية الوطنية، وعلى حساب قوت المستهلك.

تقييد..!
تشير بعض المصادر ذات الصلة بالبرنامج الوطني لدعم البنية التحتية للجودة، إلى أن تدني مستوى الرقابة على الجودة يعود إلى تقييد أنشطة البرنامج بالنظام الأساسي المالي للدولة، وذلك بعد تعميم صادر عن رئاسة الوزراء يقضي بتأجيل الأنشطة المنفذة مع مركز الأعمال والمؤسسات السوري نظراً للظروف المالية الحالية، مشيرة لـ”البعث” إلى أن المركز يحتضن أنشطة البرنامج الذي تم استثناء أنشطته من هذا التوقف، وبالتالي أصبح البرنامج خاضعاً للنظام المالي الأساسي للدولة، واعتبرت المصادر أن خطوة رئاسة الوزراء تأتي في سياق ضغط النفقات وإعطاء الأولوية للمشاريع الإنتاجية والخدمية ذات الأولوية، لكن في الوقت ذاته تقييد أنشطة البرنامج بالنظام الأساسي المالي سيكون له انعكاسات -أغلب الظن– ليست محمودة على اقتصادنا الوطني، وخاصة إذا ما علمنا أن مجال عمل البرنامج بدأ يتسع شيئاً فشيئاً ليشمل معظم قطاعاتنا الاقتصادية والخدمية العامة والخاصة، ولاسيما بعد أن أنجز المشروع خلال فترة وجيزة ثلاثة أضعاف ما أنجزه من أنشطة وقت كان تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، حيث موّل الأخير المشروع بقيمة 12 مليون يورو خلال فترة التنفيذ المحددة بخمس سنوات، ليقوم بسحب كل نشاطاته العاملة في سورية إثر العقوبات التي فرضها على خلفية الأزمة الراهنة، ولم يبقَ من أنشطته سوى البرنامج الوطني للجودة الذي حصل على تمويل من الحكومة السورية بقيمة 80 مليون ليرة سورية فقط.

مزمار الحي لا يطرب..!
ووفقاً لمصادرنا فإن النظام الأساسي المالي يحتّم على إدارة البرنامج التعاقد مع الخبراء السوريين على مبدأ فرق الراتب أي أن الخبير سيتقاضى بحدود 3000 – 7000 ليرة سورية شهرياً فقط، مع الإشارة إلى أنهم على مستوى عالٍ يضاهي بل يزيد أحياناً على مستوى الخبراء الأوروبيين، على اعتبار أن الاتحاد الأوروبي لم يرسل سوى خبراء من مستوى متدنٍّ وكانت قيمتهم المضافة محدودة جداً وكانوا يتقاضون ما بين 350 إلى 650 يورو يومياً..!.
وأشارت مصادرنا إلى المعاناة التي يمرّ بها المنتجون والمصدّرون السوريون في ضوء صعوبة الحصول على شهادات اختبار لمنتجاتهم من مخابر معتمدة، في الوقت الذي نحن فيه أحوج ما نكون إلى تحسين فرص المنافسة لمنتجنا المحلي، سواء في السوق المحلية لمواجهة المستوردات الرخيصة الرديئة النوعية، أم في الأسواق الخارجية التي تصل منتجاتنا السورية إلى حدودها مراتٍ بعد مرات وتعاد لخلل في الاختبار أو في شهادة المنتج أم في عملية التفتيش.
لا شك أن البرنامج كمكوّن وطني حقيقي كفيل بوقف الهدر وتحقيق وفر لاقتصادنا الوطني، عبر تطوير أداء مؤسساتنا العامة والخاصة، وإنشاء قاعدة من القيم والمعتقدات التي تجعل كل موظف يعلم أن الجودة هي الهدف الأساسي للمنشأة، وبالتالي نعتقد أنه لا بد من إعادة النظر بالتعاطي الحكومي مع البرنامج الوطني للجودة، وعدم تقييده بقرارات قد تحقق وفراً زهيداً على المدى المنظور، ولكنها ستفتح أبواباً كبيرة لهدرٍ ربما لا نستطيع إيقافه مستقبلاً.
دمشق – حسن النابلسي