"المركز السّوري للسّياسات" من "الأميركية" في بيروت: 250 مليار دولار خسائر سورية

"المركز السّوري للسّياسات" من "الأميركية" في بيروت: 250 مليار دولار خسائر سورية

مال واعمال

الخميس، ١١ فبراير ٢٠١٦

11.5في المئة من سكّان سوريا إمّا قتلى أو جرحى. إطلاقاً، ليس الرّقم عابراً. المفاجأة، أنّ هذا الرّقم ليس أسوأ ما في البلاد. تفاصيل وتداعيات الأزمة الاقتصاديّة- الاجتماعيّة الّتي تُعانيها، والّتي ستُعانيها، مُرعبة.
ضعوا النّصف مليون قتيل جانباً. وتناسوا أنّ حرب سوريا هي في الحقيقة حرب الكبار على الأرض العربيّة. الرّوسي جوّاً. الإيراني برّاً، لوجستيّاً، عسكريّاً. "النّاتو" على سكّة التدخل. السعودية والإمارات على "أهبّة" الاستعداد لنثر الجيوش على الأرض، بضوءٍ أخضر من واشنطن. الكلمة الفصل للأخيرة. غضّوا الطّرف عن أنّ "مؤتمر المانحين" هو في الحقيقة لتدارك "خطر" اللاجئين، وليس لدعمهم بالأموال. تلك الأموال التي تتدفّق فقط في الحروب. مرّوا مرور الكرام على مؤتمرات جنيف بثلاثيّتها. تلك المؤتمرات الّتي ما كانت لتكون لولا الشّعور "بحماوة" الخطر على اللّاعبين الكبار. وغيرها الكثير.
ما يحصل في سوريا ليس حرباً بالأسلحة فقط. الأمور أبعد من ذلك. اقتصاديّاً البلاد متهاوية. اجتماعيّاً البلاد مُدمّرة. ما توصّل إليه "المركز السوري لبحوث السياسات" من شأنه توسيع بؤرة عدسة الرّؤية قليلاً. مجتمع سوريا واقتصادها قُتلا.
245.7 مليار دولار خسائر اقتصاد سوريا
بصعوبةٍ شديدة يتابع أعماله. يُحاول صبّ اهتمامه على السّوري في الدّاخل. ذاك السّوري الّذي لا يحظى كثيراً بـ"الضّوضاء الإعلاميّة". يسعى المركز، في تقاريره، إلى إجراء مسحٍ شاملٍ على كامل المحافظات السّوريّة. يتفادى الوقوع في شرَك "محافظاتٍ مركزيّة وأخرى هامشيّة". ما توصّل إليه في تقريره السّادس "مواجهة التّشظّي" يُشكّل صفعةً على وجوه "المهتمّين". الأرقام في سوريا، الإحصائيّات، النّسب مُقلقة للغاية. ليس فقط على الدّاخل السّوري، إنّما أيضاً على تداعياتها الخارجيّة.
من النّفط بدأ كلّ شيء. يشرح التّقرير، في النّدوة الّتي خصّصها معهد "عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الاقتصادية"، بالتّعاون مع المركز لإطلاق الدّراسة في "الجامعة الأميركية في بيروت"، أنّه مع بداية الأزمة في سوريا، انسحب معظم شركات النفط من البلاد. انعكس الأمر سلباً على القطاع النفطي فيها. بدأت عمليات استخراج النفط تتمّ بصورةٍ عشوائيّة. أُضيف عليها سيطرة بعض المجموعات المسلحّة على الحقول النّفطيّة. كان الوضع كارثيّاً، وما زال. عشوائيّة الاستخراج، أموال تُصرف بلا وعي. لا دقّة الأرقام. انهيارٌ في استثمار القطاع. وبالتّالي، غلق مورد رئيسي من موارد الاقتصاد السّوري.
في العام 2015 بلغت الخسائر الاقتصاديّة في سوريا 254.7 مليار دولار. أي ما يُعادل 468 في المئة من الناّتج المحلي الإجمالي لعام 2010. إحصاءاتٌ "عالميّةٌ" سابقة تحدّثت عن أرقامٍ مغايرة. تلك لم تتعدّ الـ160 مليار، 180 كحدٍّ أقصى. يُحسب للمركز الدّقّة الأكبر. العمل على الأرض داخل سوريا منحه ذاك الامتياز. أمّا تقاريره السّابقة المشهود لها فزادت على امتيازه امتيازاً.
للاستهلاك أيضاً نصيبٌ من الخسائر. في العام 2015 تراجع مستوى الاستهلاك 33.1 في المئة مقارنةً مع العام 2014. لم يأتِ الرّقم من العدم. هو يعكس سياسة الحكومة في خفض الدّعم والّتي ساهمت بدورها في زيادة أسعار المواد الغذائيّة والخدمات الأساسيّة.  والحديث عن خيار تحرير أسعار السّلع الّذي انتهجته الحكومة، بشكلٍ متزايدٍ، خلال سنوات الأزمة يصبّ هنا. وقد شهد الخبز أبرز "عمليّات التّحرير". حيث لم يعد للحكومة سلطة تحديد سعره و"زملائه". ولا داعي لذكر نتائج هذا الأمر على المواطن السّوري "العادي".
ليس النّهج النيوليبرالي الّذي خطته الحكومة السورية، والّذي تعزّز خلال السّنوات الخمس الماضية، بالجديد. منذ استلامه الحكم في العام 2000 بدأ الرّئيس بشار الأسد يخطو بهذا الاتّجاه. والأمثلة كثيرة عن النتائج الكارثية للنمط الاستهلاكي الّذي غزا سوريا يومها. ومحاولة الاستفادة الشّخصيّة من "طاقة القدر" الّتي انفتحت يومها. من المشاكل التي تعرّض لها فلّاحو الوعر والغوطة. والسّخرية التي كان يُطلقها السوريون بقولهم "اقتصاد السّوء" بدلاً من "اقتصاد السّوق". وغيرها الكثير.
يُتابع تقرير المركز رصد الواقع السّوري. الدّور الآن للصّادرات. تلك انخفضت في العام 2015 بنسبة 20 في المئة. كما انكمشت الواردات بنسبة 29 في المئة مقارنةً مع العام 2014. السّبب في ذلك؟ التّراجع في الطلب الفعّال، إلى جانب الانخفاض الكبير في قيمة العملة المحلية. ومع ذلك، بقي العجز التجاري ضخماً في عام 2015، حيث بلغ 27.6 في المئة من النّاتج المحلي الإجمالي.
التّركيز على الإنفاق العسكري.. والمستقبل "المُبهم" للاقتصاد السّوري
إلى جانب النّهج "التّحريري" للأسعار، ركّزت الحكومة السورية في سياستها الاقتصاديّة على الإنفاق العسكري وزيادة الأجور. خطت هذه الخطوة مع بداية الأزمة في البلاد. هذا النّهج انعكس على باقي القطاعات الاقتصاديّة: استثمارٌ منخفض، تحويل ما تبقّى منه، وهو قلّةٌ قليلة، نحو الاحتياجات العسكريّة، فحرمانٌ لباقي القطاعات الاستفادة من تلك الاستثمارات.
يرى المركز السّوري أنّ السياسيات الحكومية الاقتصادية ستعكس نتائج كارثيّة على مستقبل الاقتصاد في البلاد. يؤكّد أنّ رفع الحكومة من تكاليف الإنتاج، المشتقّات النّفطية على سبيل المثال، أتى بنتائج كارثيّة، وسيُكمل هذا المسار مستقبلاً. 
فسحة أمل
وحده القطاع الزّراعي استطاع "امتصاص الكارثة". خلال العام 2015 حقّق الناتج المحلي الإجمالي لهذا القطاع نموّاً إيجابيّاً للمرة الأولى منذ العام 2011. الفضل في ذلك يعود إلى الظّروف المناخية المواتية خلال تلك السنة. بلغةٍ أبسط، "الفضل للشّتاء". لم يتوقّف الأمر هنا، انعكس الأمر إيجاباً على بعض القطاعات مثل قطاع التجارة الداخلية. بينما استمرّ التدهور في قطاعات الخدمات الحكومية والصناعة التحويلية والاستخراجية والمرافق والنقل والاتصالات.
المفارقة أنّ هذا القطاع، الّذي خفّف شيئاً يسيراً من "كارثيّة" الأزمة هناك، كان بالنّسبة لبعض أركان السّلطة في السّابق قطاعاً لا يُعتمد عليه. خبر مثالٍ هنا حديث نائب رئيس الوزراء للشّؤون الاقتصاديّة عبد الله الدردري، الّذي كان يتباهى إعلاميّاً بالقول إنّ "الزّراعة ليست قطاعاً اقتصاديّاً يُعتمد عليه".
.. الكارثة الاجتماعيّة
لا يختلف الوضع الاجتماعي سوءاً عن نظيره الاقتصادي. معدلات البطالة في البلاد بلغت 52.9 في المئة، خلال العام 2015. معدل الفقر العام بلغ 85.2 في المئة. نسبة من يعيشون في في فقر شديد بلغت 69.3 في المئة. نحو 35 في المئة من السكان يعيشون في فقر مدقع. هم غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم.
عدد العاطلين عن العمل بلغ 2.91 مليون شخص. منهم 2.7 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة، ما يعن أنّ 13ز8 مليون شخص فقدوا المصدر الرئيسي للدّخل.
يشير التقرير إلى نزوح حوالي 34 في المئة من السكان داخل سوريا. وحوالي لجوء أربعة ملايين سوري إلى البلاد المجاورة.
قطاع التّعليم المُرعب
التّعليم في سوريا بحاجة إلى خطط سريعة. توقّف القتال اليوم يعني أنّ في وجه الحكومة السورية، ومعها الجميع، جيلٌ كاملٌ لم يتلقَّ تعليمه بشكلٍ كامل أو صحيح. مع نهاية العام 2015، قدّر المركز الخسارة في سنوات التّمدرس بحوالي 24.5 مليون سنة دراسية، والتي تُقدّر تكلفتها بحوالي 16.5 مليار دولار مشكلة خسارة مرتبطة بالرّأي مال البشري المرتبط بالتّعليم.
لا يتوقف الأمر على من لم يتلقَّ التعليم. يتعدّ الأمر هذا ليصل إلى مسألة الفروقات التّعليمية نفسها في "الببت الواحد". تتمحور تلك حول المناهج التعليمية المختلفة بين المناطق. حول ظروف تلقي التعليم المتفاوتة بين المناطق والمحافظات. الأمر الذي من شانه أن يؤثر بطريقةٍ كارثية مستقبلاً.
كما أنّ مؤشّر التّعليم في سوريا انخفض إلى 34.3 في المئة مقارنة مع العام 2010. وتصنيف البلاد
ضمن مؤشر التعليم تراجع  من المرتبة الـ124 إلى 173 بين  187 دولة في العالم.
ومتوسّط الأعمار؟
تلك مسألة مرتبطة بشكلٍ مباشر في النزاعات. في العام 2010 بلغ متوسط العمر المتوقّع عند الولادة 70.5 سنوات، بدلاً من 75.9 في السنوات السابقة. في الـ2015، انخفض هذا الرّقم إلى مستوًى كارثي بنسبة 30 في المئة ليصل إلى 55.4 سنوات. وهناك تقدير بأن يصل هذا الرّقم في السنوات المقبلة إلى 48 عاماً للرّجال.
في البلاد حتماً ما هو أبعد من الإرهاب السّياسيّ والعسكري. في البلاد إرهابٌ اقتصادي اجتماعي.